هل يعلم المتخاصمون والمتهاجرون هذا؟ مصلح العتيبي

كثر التهاجر والتقاطع والتدابر بين الإخوة والأقارب والأصدقاء والجيران على أتفه الأسباب؛ لكن هناك حقائق قد يجهلها أو يتجاهلها المتخاصمون والمتهاجرون، فإذا علمتَ هذه الحقائق فلعلك تكف عن الهجر والتقاطع.
أولا: هل تعلم من يفرح بهذا الخصام وهذا الهجر؟
يفرح به عدوك اللدود الشيطان الرجيم، وهو أسعد حال يحب أن يراك عليه أن تهجر قريبا أو صديقا أوجارا؛ ويفرح به أعداؤك من الناس.
فأين عقل أحدنا؟ هل يرضى أن يُفرِح الشيطان والأعداء؟
ثانيا: هل تعلم من يحزنه هذا الهجر؟
هجرك لأخيك أو لابن عمك إنما يحزن المحب لكما من قريب أو صديق؛ فتهاجر الإخوان يحرق قلوب الآباء والأمهات.
فهل هذا عقلك؟ وهل هذا خيرك وفضلك؟
هل رضيت أن تكون سببا في حزن من يحبك؟
ثالثا: هل تعلم ما هو أثر هذا الهجر عليك دينيا؟
هذا الهجر سبب لتعليق أعمالك الصالحة فلا ترفع إلى الله؛ وكلما رفعت قال الله سبحانه: «أنظروا هذين حتى يصطلحا».
كلها تعلق فلا ترفع صلاتك ولا صيامك ولا صدقاتك ولا حسن خلقك ولا برك بوالديك، كلها لا ترفع حتى يزول هذا الهجر؛ وإن كان المهجور من ذوي الأرحام كان ذلك سببا في قطع الله للمتهاجرين.
فقد وعد الله الرحم -والله لا يخلف الميعاد- أن يصل من وصلها، ويقطع من قطعها.
فما أعظم الخسارة الدينية على من وقع في هجر أخ مسلم!
رابعا: هل تعلم ما هو أثر هذا الهجر عليك دنيويا؟
من يعرف هاجرا لأخيه المسلم يعيش في راحة دائمة فليخبرني؛ صدقني لن تجني من الهجر إلا ضيق الصدر وتكدر الخاطر، وكلما رأيت من بينك وبينه هجر ضاقت نفسك وكرهت رؤيته، حتى إنك تكره أن تحضر في مجالس يحضرها؛ فكان سبب تعاسة عليك.
وكم تفاجأ كثيرُ التخاصم مع الناس بالضغط والسكر وكثير من الأمراض!
فهل تريد أن تصل لهذه الحالة؟
خامسا: هل تعلم كيف يتم الصلح؟
الصلح لا يتم غالبا إلا إذا كانت نية من يدخل فيه سليمة، بحيث تكون نيته أن يصطلح هاذان المتخاصمان.
وللأسف الشديد فإن حالنا اليوم أن بعض من يسعون في الصلح يُبعدون وجهات النظر ولا يُقربونها، ويشتتون الناس ولا يجمعونهم.
والرجل العاقل يجعل أمره في يده ولا يجعله في أيدي الناس.
فاجلس مع من هجرك أو هجرته إن أمكن ذلك، وإذا كان الخطأ منك فاعترف فهذه منازل الرجال وأفعال الكرام؛ وإن لم يمكن ذلك فلا يتدخل في أمرك إلا من يغلب على ظنك صدق نيته وحسن سريرته.
سادسا: ما سبب هذا الهجر؟
سأكتفي بذكر سببين من أسباب التهاجر في هذا الزمان وهي:
-1 المال؛ وحتى تتجنب هذا السبب فلا تأكل إلا حلالا خالصا، وتذكر أن أيما جسد نما من سحت فالنار أولى به؛ فإذا تحرى المسلم الحلال فلن يعتدي على مال غيره ولن يدخل مع أحد في خصومة من أجل المال.
-2 المشيخة القبلية؛ وهذه أوقدت نارا من سلم من لهبها لم يسلم من سمومها. والرجل العاقل يعلم أن الشيخ من تشيخه الأفعال الحميدة والخصال المجيدة؛ والأصل أن هذه الأمور تجمع الناس فإذا فرقتهم فلا بارك الله فيها.
وإذا رأيت أن هذه المشيخة قد تشتت جماعتك وقرابتك فدعها، فقد ترك سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد سادة شباب أهل الجنة الخلافة من أجل جمع كلمة المسلمين، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم سيدا بهذا الفعل.
خاتمة: والله ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا.
والله إنك ما إن تسامح وتصافح أخاك المسلم إلا وتشعر ببركة ذلك عليك وعلى نفسيتك حتى إن بعضهم ليبكي فرحا وألما في نفس الوقت، ويقول كيف وقعت في هذا الهجر كل هذه المدة؟
فرجائي يا من تقرأ هذه الأحرف الحزينة على وقوعك في الهجر، السعيدة يوم أن تكون سببا في صلح بينك وبين قريب أو صديق.. سامح وأصفح وبادر؛ وتذكر: «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام».
وطلبي ممن يعلم عن مسلم أنه وقع في هجر أن يرسل له هذا المقال، وأن يدعو الله أن يكون سبب خير وإصلاح له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *