الزواج المختلط بين العرب والأمازيغ ذ محمد بوشنتوف

..إن من يطرح هذا السؤال اليوم جاهل بالتاريخ ومتجاهل للواقع، وجهول بقيم الإسلام السمحة، فما دام الرب واحد والدين واحد والنبي واحد، فما يضير المسلم أن يتزوج مسلمة وإن كانت من الإسكيمو

مع كل صيف جديد يكثر الحديث عن الزواج والأعراس، وتدبّ حركة غير عادية في أسواق الذهب والماس، وتلفت انتباهك سطوح المنازل وبعض الأزقة الضيقة التي نصبت خيامها، وأيقظت جيرانها، بصراخ الشاب فلان وعويل النجم علان، معلنة مراسيم زفاف رسمي، أول نهاره قرآن، وآخر ليله نغمة شيطان… وقد حدثني من هو مصدر ثقة عندي، أنه طرق الأسبوع الماضي بيت عائلة يرجى خيرها -خاصة وأن كريمتهم تلبس الحجاب الشرعي وتحفظ شيئا من القرآن- وطلب الزواج منها، غير أن طلبه قوبل بالرفض، ومن حسن حظه لم يعنف بالطرد، ليس لأنه من أهل البدع والمنكرات، أو ممن يترك الجمع والصلوات، لكنه وللأسف عــربــي، فمن عاداتهم ألا تتزوج أمازيغية بعربي…

قلت مستغربا: فإن كان هذا حال بعض الملتزمات بدين رب السماء، فكيف بالعاديات من النساء..
وقد نشر موقع ناظور أونلاين في الفترة الأخيرة، سؤالا موجها إلى سكان المغرب الأمازيغي الكبير، هل تقبل الزواج المختلط بين العرب والأمازيغ؟ من خلال مقدمة حسمت الإجابة مسبقا، جاء فيها:
كثيرا ما أقابل في حياتي أناسا عربا، لكن يقولون أن أمهاتهم أمازيغيات ولا يجيدون لغة أمهاتهم؛ يا ترى ما الأسباب التي تدفع فتيات أمازيغيات للزواج بالعرب، وبالتالي فقدان أطفالهم للثقافة الأمازيغية؟ المرجو من الأعضاء المشاركة(1) .
ففرح المخلفون فرحا شديدا، وسالت أقلامهم قيحا ودما صديدا، فالموضوع قنطرة للنَّيْل من العرب.. ومما جاء في ترهاتهم:
1- إن مسألة زواج العرب بالأمازيغ لا يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لأنها سياسة صهيونية (ذات الانتماء العروبي) تجعلنا شعبا هجينا مولدا نتج من تمازج العرب والأمازيغ مع ترجيح الكفة لصالح الأولين. إذ يوحي لنا هؤلاء أنهم ساهموا في عملية التوالد بالرجال أي الآباء، والأمازيغ بالنساء أي الأمهات، فينتج عن ذلك شعب مركب وخليط تعتريه عقد نفسية تجعل شخصية صاحبها مهزوزة تنسى ذاتها الأمازيغية .
2 – وقال آخر: لا أقبل بفكرة الزواج من غير الأمازيغية، وأحسب الذي تزوج بعربية مخبول. ولن أرضى أن تتزوج أمازيغية بعربي أبدا وأحسبها ناقصة.
3- ولم يختلف الصوت النسوي عن الرجالي فقد طالعتنا إحداهن قائلة: أنا ضد هذا الاختلاط ولا أحب زواج أمازيغي بعربية، أو العكس.. لأن في تقاليدهم أشياء فاسدة، تجعل المرأة متحررة، أما الأمازيغ فهم محافظون، وأقول لهم لا تشوهوا صورة الأمازيغ الذين استشهدوا من أجل تحرير المغرب من الاستعمار الأجنبي والمخزني.
فالعرب كانوا عبيدا لفرنسا في حين أن أسيادهم الأمازيغ حاربوا العدو بالسلاح إلى أن جاؤوا باستقلال المغرب لتنعم فيه شرذمة من الديوتيين الانبطاحيين اللذين ينبطحون على أربع كالبهيمة. الأمازيغ كانوا قوة حاربوا روما بقيادة ملوكهم العظماء مسينيسا وقاداتهم الأشاوس يوغرطن وتاكفاريناس..
4 – أما الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان(2) فقد أفتت بنات جنسها قائلة: الزواج من رجل مريض بعروبته، وعلى “سنة الله ورسوله” صفقة جهنمية لإعادة إنتاج كل أشكال اضطهاد المرأة غير العربية، ومن ورائها شعبها الذي تنتمي له!
تلكم إذن هي النظرة الجاهلية للزواج المختلط والتي جعلت من مسينيسا ويوغرطن وتاكفاريناس قادة أشاوس وعظماء أبطال، في حين وصفت الزواج على سنة الله ورسوله بالصفقة الجهنمية..

الزواج المختلط: تاريخ يشهد، وواقع على الدين يتعهد
لقد رسمت لنا كتب السير والتاريخ، أروع القصص وأنبلها عن زواج حصل بين طوائف شتى، وقبائل تترى.. وما خبر المهاجرين والأنصار ببعيد، فما دام الرب واحد والدين واحد والنبي واحد، فما يضير المسلم أن يتزوج مسلمة وإن كانت من الإسكيمو، إن كثيرا من المتمزغين(3) اليوم، يريدون أن يوهموا الناس بصفاء جنسهم، وتقديس شخصهم، وجعله مختارا مميزا، والحق أن المغرب العربي الأمازيغي المسلم ما عرف هذا الطرح العنصري الجاهلي المقيت، بل هو طارئ عليه، فالثقافة المحلية في منطقة القبائل والريف وغيرها، كانت تعتمد التفريق على أساس ديني (مسلم/كافر) وليس على أساس عرقي (عربي/قبائلي/أمازيغي).
إن تقدير الأمازيغ للعرب عامة ولآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم خاصة جعلهم يبايعون إدريس الأكبر ويناصرونه بعد فراره إليهم، وأولهم قبائل (أوربة وزواغة ولواته وغمارة وكتامة وغياثة وسدراتة ونفرة ومكناسة وصنهاجة)؛ ثم مصاهرته لهم بزواجه من كنزة الأمازيغية بنت الأمير محمد بن عبد المجيد الآوربي، والتي أنجبت له إدريس الأصغر عام 169 هجري، كما تزوج والد موسى الكاظم بحميدة بنت صاعد الأمازيغية الأندلسية وغيرهما كثير.
لقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.
وفي الصحيح أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك.
وما في الحديثين إشارة إلى القبيلة أو الجنس أو الطائفة.. فالذين يسعون إلى التفريق بين العرب والأمازيغ ومنع الزواج بينهم ويطرحون هذا النوع من الأسئلة اليوم، يريدون حجب الشمس بظلامهم وما هم بمستطيعين، فالمغاربة يبحثون عمن يحدثهم بلغة الأدب والخلق والمعاملة بالتي هي أحسن، لا من يتقاسم معهم اللغة واللهجة، ويبطن في قلبه ما الله به عليم.
وبدل أن يتعب هؤلاء المتمزغون أنفسهم في البحث عن إجابة للزواج المختلط، كان حريا بهم أن يسألوا المغاربة عن الاختلاط في الزواج والمناسبات والأعراس، فهو الذي سيفقد الكبير والصغير هويته، وسيوقع المغاربة عربا وأمازيغ في هاوية الرذيلة، ويذيب شخصيتهم وهويتهم لتصير مائلة مميلة.

(1) هكذا تم طرح السؤال، وقد نقلته للأمانة بالحرف، فتأمل ركاكة الأسلوب وضعف المعنى والتكلف في توليد العبارات.
(2) من مواليد آيت اعتاب إحدى قرى جبال الأطلس المتوسط بالمغرب؛ وقد جاء هذا التصريح في حوار صحافي مع عماد علي من كوردستان بتاريخ: 01/11/2009.
(3) نقصد بالمتمزغين في مقالاتنا: من يسمون أنفسهم زورا أمازيغ، والأمازيغ منهم براء، الذين رفعوا هراوات العلمنة وسكاكين التغريب وسدادسية الصهينة وصليب الأمركة، لضرب كل ما هو إسلامي عربي، والله المستعان…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *