يشكل المسلمون مجتمعا يسوده التراحم والتكافل والأخوة والإحسان المتبادل، وقد أوصى الإسلام بمعاملة الجار بالحسنى وأداء حقوقه باعتباره جزء من هذا النسيج المجتمعي ولارتباطه الوثيق بمن حوله ممن يخالطهم ويتبادل معهم المصالح والمنافع ويشاركهم الأفراح والأحزان.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «خيرُ الأصحابِ عندَ اللهِ خيرُهم لصاحبِه، وخيرُ الجيرانِ عندَ اللهِ خيرُهم لجارِه» صحيح ابن حبان:519، فنجد الإسلام يولي أهمية خاصة بالجار ويؤكد على حرمته وحرمة أهله فغلَّظ الإثم المتسبب في أذيته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجلُ بِعَشْرَةِ نِسْوةٍ، خَيرٌ لهُ من أنْ يَزنِيَ بِامرأةِ جَارِهِ ولَأَنْ يَسرِقَ الرجلُ عَشْرةَ أبياتٍ، أيْسَرُ لَه من أنْ يَسرِقَ بيتَ جَارِهِ» صحيح الجامع:5043.
بل أشد من ذلك فإن كل من يُقدم على عمل أو قول أو تصرف يكون سببا في إدخال الريبة والشك في نفس جاره أو يصدر عنه سلوك يُفقد هذا الأخير الثقة فيه ويثير لديه المخاوف ويدخل إلى نفسه الضيق والاضطراب، فهو يعتبر خارجا من دائرة الإيمان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس بمؤمِنٍ مَنْ لا يَأْمَنُ جارُه غوائِلَه» صحيح الجامع:5387.
وبالمقابل فإن ديننا الحنيف يحرص على توفير أسباب التقارب بين الجيران والتآلف بين قلوبهم وزرع بذور الأخوة والمحبة بينهم، يقول الله تعالى: «وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا» النساء:36، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» متفق عليه.
كما حث الإسلام على إبداء اللين وإظهار الرفق بالجيران وبأبنائهم وأهلهم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن كنتم تحبون أن يحبكم الله ورسوله فحافظوا على ثلاث خصال: صدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الجوار» السلسلة الصحيحة:2998، وتشمل معاملة الجار بالحسنى أداء عدد من الحقوق له، ومنها:
إفشاء السلام والتبسم
السلام مفتاح الألفة للتخاطب والتواصل ومبدأ الحوار والتعارف وبناء الصداقة، وبذرة لمحبة وسبيل لدخول الجنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تدخُلوا الجنَّةَ حتَّى تُؤمِنُوا، ولا تُؤمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، ألا أدُلُّكم على شيءٍ إذا فعَلْتُموه تحابَبْتُم، إفشاءُ السَّلامِ بينَكم» مجمع الزوائد:8/33.
والتبسم وسيلة للولوج إلى القلوب بدون استئذان وهو إشارة على القبول والرضى والتوافق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تبسُّمُك في وجهِ أخيك صدَقةٌ، وأمرُك بالمعروفِ ونهيُك عن المنكرِ صدَقةٌ، وإرشادُك الرَّجلَ في أرضِ الضَّلالةِ لك صدَقةٌ، وإماطتُك الأذَى والشَّوْكَ والعظْمَ عن الطَّريقِ لك صدقةٌ، وإفراغُك من دلْوِك في دلْو أخيك لك صدقةٌ» الترغيب والترهيب:3/365.
السؤال عنهم وتفقد أخبارهم
وفيه إبداء للاهتمام بهم والالتفات لأحوالهم بهدف الإصلاح والاطمئنان عليهم، وليس بغرض التشفي فيهم أو فضح أسرارهم، أو النيل من أعراضهم أو التجسس عليهم أو اغتيابهم فهذا محرم شرعا، يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا» الحجرات:12.
وقد قيل للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: يا رسولَ اللهِ إنَّ فلانةً تقومُ الليلَ وتصومُ النهارَ وتفعلُ وتصدَّقُ وتُؤذي جيرانَها بلسانِها، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : «لا خيرَ فيها هي من أهلِ النَّارِ»، قال: وفلانةٌ تُصلِّي المكتوبةَ وتصدّقُ بأثوارٍ من الأقِطِ ولا تُؤذي أحدًا فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : «هي من أهلِ الجنَّةِ» السلسلة الصحيحة:1/369، ومنه أيضا عيادتهم إدا مرضوا وتعزيتهم في من فَقدوا.
تقديم يد العون لهم
وفيه خفض الجناح لهم والسعي في قضاء حوائجهم، وبذل الجهد والمال والوقت في مساعدتهم والوقوف بجانبهم ماديا ومعنويا في تخطي محنتهم أو مصابهم، سواء كان مرضا أو وفاة أو خلافا أو غيره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا طَبَخْتُمْ اللَّحْمَ، فَأَكْثِرُوا الْمَرَقَ أَو الْمَاءَ، فَإِنَّهُ أَوْسَعُ أَو أَبْلَغُ لِلْجِيرَانِ» مسند أحمد:48/30.
مشاركتهم في السراء والضراء
وهذا يحسسهم بأنهم أسرة واحدة وفيه مظهر عظيم من مظاهر التراحم والتواد والتكافل والتضامن بين المسلمين، وما يزيد ذلك المجتمع إلا اتحادا وقوة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المُؤمِنَ للمُؤْمِنِ كالبُنيانِ، يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا. وشَبَّكَ أصابِعَهُ» البخاري:481.
إسداء النصح والمشورة
يختلف الأفراد في مستويات وأنواع كفاءاتهم وقدراتهم ومداركهم وهذا الاختلاف ظاهرة صحية ونقطة إيجابية، وهو مدعاة إلى التعاون والتكامل وتظافر الجهود وتفاعل الرؤى وتلاقح الآراء والأفكار، فلا ضير من استشارة الجار الذي لا يعلم لجاره الذي له تجربة ومعرفة، ولا حرج من استنصاح الجار الحائر لأخيه الذي يفوقه خبرة ودراية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألَا إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، ألَا إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، ألَا إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ» قالوا: لِمَن يا رسولَ اللهِ؟ قال: «للهِ ولكتابِه ولرسولِه ولأئمَّةِ المسلِمينَ وعامَّتِهم» صحيح ابن حبان:5079.
وما نلمحه اليوم في مجتمعنا الحاضر في هذا المجال يدعو للأسف ويبعث على الاستياء، لما نراه من نفور وتحاسد وتباغض بين الجيران قد يصل إلى حد الإيذاء اللفظي والجسدي والنفسي، مما يتناقض مع أخلاق الإسلام ويتنافى مع فضائل الدين، وهذا فيه إثم كبير وهو ينذر بعواقب سلبية على الفرد وينال من تماسك المجتمع ووحدته ويعصف بمعاني التراحم والحلم والتآخي.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسَدوا، ولا تَناجَشوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابروا، ولا يبِعْ بعضُكُم علَى بيعِ بعضٍ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا، المسلمُ أخو المسلمِ، لا يظلِمُهُ ولا يخذلُهُ، ولا يحقِرُهُ. التَّقوَى ههُنا ويشيرُ إلى صدرِهِ ثلاثَ مرَّاتٍ بحسبِ امرئٍ منَ الشَّرِّ أن يحقِرَ أخاهُ المُسلمَ، كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ، دمُهُ، ومالُهُ، وَعِرْضُهُ» مسلم: 2564.
اللهم اجعلنا من أهل الإحسان إلى أهلينا وجيراننا، وألف بين قلوبنا على الخير والصلاح.
والحمد لله رب العالمين.