هناك مثل أنجليزي يقول:love me love my dog
بالعربي: من أحبني، أحب كلبي معي.
يعني: من أحب شخصا أحب كل ممتلكاته والمقربين إليه، ودافع عن مصالحهم.
وهناك مثل يقول: صديق صديقي صديقي، وعدو صديقي عدوي.
أتكلم عن الصداقة الحقيقية التي أصبحت مفقودة في زمن الماديات وأصبح الانسان يبيع أقرب الناس إليه بثمن بخس (إييه يا زمان)، وليس الصداقة الفارغة من معناها الحقيقي.
لكي تنال رضى شخص تحبه عليك أن تهتم بكل أحبائه، وبكل شيء يحبه.
لذلك إذا كنت تدعي حب الله عليك أن تعتني بعباده وتحسن إليهم، وتتفانى في خدمتهم، ولا تسيء إليهم، خاصة المفضلون عنده، أي عباده الصالحين، وهذا هو المعيار الحقيقي لحبك لله! فما بالك بمن يدعي حب الله ويقتل عباده ظلمنا وعدوانا؟ بمن يجوعهم؟ بمن يأكل أرزاقهم؟ بمن يحتقرهم؟…
أما من يدعي حب الوطن فعليه أن يعمل كل ما فيه مصلحة الوطن، وأن يتجنب كل ما فيه مفسدته ودماره وخرابه، بل أكثر من ذلك عليه أن يكون مستعدا للتضحية بكل غال ونفيس دفاعا عن الوطن، وهذا حق وواجب نصت عليه الشرائع السماوية والمواثيق والقوانين الدولية، ومن تم يجب عليه أن يحب أبناء وطنه، لأن همهم واحد وهو المحافظة على الوطن والرقي به، مما يحتم عليه إعطائهم حقوقهم والاحسان إليهم والتفاني في خدمتهم.
فهل تفعلون هذا يا من تدعون حب الوطن؟
يا من تأكلون وتشربون وتلبسون من خيرات الوطن، يا من ترعرعتم في هذا الوطن، ولعبتم عل ترابه، وسكنتم فوق أرضه، بالله عليكم هل تفانيتم في خدمته؟
لا خير في ابن يأكل ويشرب ويلبس من رزق أبيه، ثم يخونه ويسئ إليه، هو ابن عاق.
لا تعق وطنك، فتتبعك لعناته ولعنات المواطنين!
يا من جعلتم مصالحكم فوق مصلحة الوطن، يا من فرقتم الوطن إلى طوائف، كل يدعي الدفاع عن طائفة وتجاهلتم خطر الطائفية على سلامة وأمن الوطن.
هذا صحراوي، هذا أمازغي، هذا عربي، هذا ريفي… كيف عرفت ذلك؟
في المغرب، اختلطت الأجناس والدماء، وهاجر الناس من مناطق واستوطنوا أخرى، وتعربت مناطق، وتكلمت أخرى بالأمازيغية أو غيرها، فعلى أي معيار نميز بين المغاربة؟
وبالتالي لا تزايد علي ولا أزايد عليك، مادمت لا تملك شجرتي عائلتي والديك !
نحن مغاربة، وليست اللغة أو المنطقة هما اللتان تحددان أصلك! فلا تسب أخاك؛ لأنك ربما تسب أجدادك!
يا من اعتبرتم كل إدارة كلفتم بتسييرها ملكا لكم، وتصرفتم فيها حسب أهوائكم، كأنه لا حاكم فوقكم، وخدمتم مصالح معارفكم وأقاربكم، وتجاهلتم قضايا المواطنين ومصالحهم، وعن قضائها تكاسلتم.
كم انتظرنا أمام أبواب إداراتكم، وكم تكررت زياراتنا لكم، لعل ذلك من كثرة حبكم لنا وحبنا لكم؟ بل من كثرة استهانتكم بنا، كأنه لا ملجأ لنا إلا أنتم. في حين تقضون مصالح أناس بكلمة منهم دون انتظار أو وقوف ببابكم.
بالله عليكم أهذا هو حب الوطن؟
يا من تهاونتم في القيام بواجبكم لخدمة من يضحون من أجل الوطن -وهذا ذنب أكبر، إن غفر ما قبله لا يغفر لكم- لقد كرهتم المواطن في الانخراط من أجل مصالح الوطن، فأصبح بعيدا عن همومه، وانشغل بمصالح بيته ونسي أنه جزء من الوطن.
أذكر هنا تجربتين شخصين:
الأولى: كلفت برئاسة جمعية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بإحدى المدارس الابتدائية بحي السلام بسلا، بعد تهرب أغلب الآباء والأمهات والأولياء من الدخول إلى المكتب، كما أصبح معلوما، لعلمهم أنهم سيكونون بين مطرقتين:
– مطرقة السلطات التي تتباطئ في تقديم الخدمات ومد يد المساعدة، وهو ما صرحت به أمام السيد العامل في اجتماع بالعمالة ضم رؤساء الجمعيات، وطلبت منه إعطاء أوامره للمسؤولين، بتقديم كل المساعدات والوسائل الممكنة للجمعيات؛ لأنها تعمل أداء للواجب الديني والوطني، ولا تأخذ عن ذلك مقابلا، بل تجد أعضاءها الشرفاء ينفقون من جيوبهم ووقتهم، وعند وقوفهم عند أغلب المسؤولين لا يجدون التقدير اللازم، وهو ما يشكل في نظري خطرا كبيرا على البلد؛ لأن المواطن عندما يتقاعس عن خدمة بلده، وهو ما وصلنا إليه، كيف سينهض هذا البلد؟
– ومطرقة الآباء والأمهات ومديري المؤسسات الذين يطلبون من مكتب الجمعية الكثير، ولا يقدمون إلا القليل، إضافة إلى الاتهامات زورا وبهتانا.
مرة احتجنا لإزالة النباتات الموجودة بالمؤسسة لأنها متصلة بالساحة حيث يلعب التلاميذ، وتوجد بها حشرات ضارة في شدة الحر، من بينها الثعابين، حسب ما سمعت، فزرنا عدد من المنتخبين عدة مرات وشرحنا لهم خطورة الأمر على التلاميذ، لكن لم نتلقى إلا وعودا كاذبة.
فأين حب الوطن؟
التجربة الثانية: سكنت بإقامة بسلا بحي اشماعو، حي يقطنه الموظفون، يعني من المفروض أنهم طبقة مثقفة تعرف ما لها وما عليها، حيث اشتريت شقة بعد بحث دام سنوات، وعند نقل الأثاث المنزلي والفرح بالاستقرار، كان ذلك في رمضان بعد صلاة العصر، حضرنا وجبة إفطار سريعة، وعند خروجي لصلاة العشاء والتراويح، وجدت قبالة باب العمارة بحديقة الإقامة سبعة أشخاص يتعاطون المخدرات، ونظرا لضيق الوقت توجهت إلى المسجد، وعند العودة من المسجد، لم أجد المجموعة المذكورة (الحمد لله ربما ذهبوا) بل وجدت مجموعات! خاصة في غياب الإنارة داخل الاقامة، كل هذا والساكنة يتفرجون ويسمعون الكلام الفاحش، ولا حياة لمن تنادي. شمرت على ساعد الجد وبدأت بالعمل، كنت أكلم كل مجموعة ناصحا إياهم بخصوص خطر المخدرات، والتفكير في مستقبلهم، فاختفى عدد منهم. بعد تأسيس المكتب، رغم تثبيط السكان لي، قائلين: كل من حاول قبلك فشل، فلا داعي أن تتعب نفسك، لأنك لن تجد من يعمل معك!
أصررت على الاصلاح مهما كلف الأمر؛ ولو تطلب ذلك حياتي؛ لأنني كنت أخرج عندما أسمع الفوضى والكلام الفاحش في أي وقت من الليل، ولا أجد مساندا، إلا شخص، أو اثنين أحيانا، وقد تقدمت بشكاوى للجهات المختصة، لكن للأسف لم أجد أية مساندة من الجهات الأمنية، وكم مرة كنت أتصل بالأمن، لكن دون جدوى، إلا مرة واحدة بعد تدخل من له كلمة عندهم، حتى عندما تم إحداث فرقة التدخل السريع مؤخرا، لم أتلقى مساندة فاعلة.
على كل حال لم تعد الاقامة ملجأ لمتعاطي المخدرات، ولم نعد نسمع الكلام الفاحش، وكان الثمن تعرضي للكثير من الأذى؛ وهناك من كان يخوفني: سيفعلون لك كذا وكذا… وكنت أقول: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وأنا أومن أنه لو خاف كل من أراد إصلاح بلده، فعلينا وعلى البلاد السلام.
يتبع إن شاء الله