اتفق علماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة عموما على أن الرأس المال الحقيقي للدول ليست هي الثروة النفطية أو الفلاحية أو المالية بل هي الكفاءات البشرية. وهذا ما يؤكده كارل ماركس وكذلك ادم سميث في كُتبِهما خاصة “رأس المال” للأول و “ثروة الأمم” للثاني.
إن العامل البشري هو رأس المال القوي الذي لا ينفذ بسبب قحط، أو يتلف بسبب طوفان، ولا ينتهي بنفاذ المخزون. والسؤال الجوهري هو كيف لنا أن نمتلك هذه الثروة؟
والجواب على هذا السؤال جد بسيط في نظري لا يحتاج إلى عصا موسى، ولا إلى مصباح علاء الدين، نحتاج فقط أن نتمعن في أول كلمة اختارها رب العزة ليخاطب بها نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهي “اقرأ”. كلمة من أربعة حروف لكنها تضم كنوز الدنيا بين طياتها حيث لم يصطفيها سبحانه عبثا لأن بالقراءة ينمو الوعي البشري وينشئ الحس النقدي ويصبح الرصيد المعرفي هو معيار التفاضل بين الناس وليس رصيدهم البنكي.
هناك سؤال ثاني لا يقل أهمية عن الأول، وهو كيف السبيل إلى مجتمع قارئ وبالتالي إلى نهضة ثقافية؟ وهنا بيت القصيد والقصد وراء تحرير هذه السطور وأقول وبدون تماطل “المكتبة العامة”.
نعم، إنه الفضاء الذي يتيح لنا الولوج إلى عالم الأفكار والفكر من خلال الكتب التي يعرضها لرُواده. قد يقول قائل إني بسطت المسألة واختزلتها في المكتبة العامة. ربما هو على صواب ولكني أتكلم عن جُهد المُقِل أي أضعف الإيمان أن يجد المواطن مكتبة عامة بجوار مسكنه يُعَرِّج عليها كلما رغب.
زيارة المكتبة العامة لا بد أن تصير ثقافة يومية أو أسبوعية كما نتَّجِه صَوبَ السوق للتَّزودِ بغذاء الجسد أو المسجد لشحن الطاقة الروحية، علينا أن نقصد المكتبة لشَحذِ الطاقة الفكرية والمعرفية.
ومن هذا المنبر أُأَكد على أهمية المكتبات العامة في زمن ضن فيه الكِتَاب والكُتَّاب وأضحى العالم العربي في ذيل قائمة القُرَّاء، ونتيجة ذلك أصبحنا مضرب المثل في الاستهلاك المادي والمعرفي. أمة لا تقرأ لن تنتج ولن تقوم لها قائمة وستضل تنفق أموالا وجهدا في إصلاح تعليمها بدون جدوى إلا إذا اهتمت بالقراءة ودُورِها ورُوَّادِها.