لا يوجد مغربي ينبض في جسده عرق من المروءة والشهامة؛ إلا وشعر بغبن شديد وألم عميق لما لحق عرضه من إهانة..
وقد بدأت حلقات هذا المسلسل تطفح على سطح إعلامنا؛ لما شرعت بعض الدول العربية تشدد إجراءات سفر المغربيات إليها؛ كالإمارات وسوريا، والأردن التي تمنع دخول مغربية دون 34 سنة إلا بموافقة زوجها، وقريب من هذا ما قامت به موريتانيا من فرض التأشيرة على المغربيات دون سائر النساء، وأشد من ذلك ما أقدمت عليه السفارة السعودية من منع منح التأشير للفتيات المغربيات الراغبات في زيارة البيت العتيق، ثم توّجت قناة الوطن الكويتية ذلك كله بمسلسلها السخيف الذي صورت فيه المغربيات ساحرات وعاهرات.
وعلى المستوى الشعبي؛ لا تكاد تتكلم في الموضوع مع مشرقي إلا وجدته يحمل فكرة سيئة عن المغربيات؛ وأنهن مستغربات زاهدات في إسلامهن، محبات للخنا والفجور .. إلـخ.
وبقدر ما نتفهم موجة الاستنكار العارمة التي انطلقت من صفحات الجرائد وانتهت إلى الموقف الحكومي الذي عبر عنه وزير الاتصال.
بقدر ما نتفهم هذا الشجب والاستنكار؛ بقدر ما نتعجب للطريقة التي عرض بها؛ والتي توحي بأن تلك الحملات المشوِّهة لسمعتنا جاءت من فراغ، حيث أن الاستنكار لم يشر -على الأقل مثلا- إلى أن المجتمع المغربي يعاني فعلا من دعاة إباحيين ملؤوا البلاد وفتنوا العباد؛ بنعيقهم الداعي إلى التطبيع مع الفاحشة؛ من أمثال الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي تدعو إلى إلغاء القانون المجرم للشذوذ الجنسي، ومن أمثال مجلات نسائية تسخر من (ثقافة) حفظ العرض وصيانة غشاء البكارة، ومن أمثال صحيفتي نيشان والأحداث المغربية اللتين يقول كاتبهما الغزيوي: “مضى إلى غير رجعة ذلك الزمن الذي كانت فيه الحرة الغبية تجوع ولا تأكل بثديها، وحل مكانه زمن لا ينبغي للحرة “القافزة” أن تجوع أمام إمكانية التوفر على سيارة فخمة ومنزل راق ورصيد محترم في البنك، فقط بالقيام باللعبة الرياضية المدرسية، دون أن ندرك أنها كانت تهيء عددا كبيرا من زميلاتها التلميذات للتعود عليها وجعلها مهنة في القادم من الأيام”. [جريدة الأحداث المغربية ع3807 بتاريخ 11/09/2009].
وثالثة الأثافي؛ فضيحة الممثلة التافهة (إيمان شاكر) التي منحها المغرب في 2009 لقب ملكة الجمال، فاتجهت إلى التمثيل مصرحة: “لن أتوقف عند أية خطوط حمراء، ولا مشكل لدي أن أتعرى إن اقتضى عملي ذلك)!
وهو ما بدأت تجسده على أرض الواقع في المسلسل المصري (العار)..
إن الأمر في تلك الإهانات إنما هو على حد قول الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى/30].
فعلا إنها مصيبة؛ أن يتم عزل المغرب عن جسد الأمة الإسلامية والعربية في أمر له مساس بالكرامة والعرض، كما أن له تبعاته على المستوى الثقافي والاقتصادي والسياسي..
لكن ما هو الحل للخروج من تلك المصيبة وطلب العفو المذكور في قوله تعالى: {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى/30].
إن الطريق إلى ذلك يبدأ من تحديد المسؤوليات، والجواب الشجاع والصريح عن السؤال الجوهري: من المسؤول؟
ألا تتحمل وزارة التعليم جزءا من المسؤولية؟ حين تفرط في تقويم الجانب السلوكي والأخلاقي عند التلاميذ والتلميذات، الذين تفشى بينهم من الانحلال والفسق والمجون ما يندى له الجبين؛ ولا أظن الأمر يحتاج في إثباته لدراسات ولا إحصائيات، وإنما يكفي أن نقوم بجولة على المؤسسات التعليمية من الابتدائي إلى الجامعة لندرك ما آل إليه حال التلاميذ..
ألا تتحمل وزارة الثقافة جزءا من المسؤولية حين تُطبّع مع ثقافة الإباحية شرقيها وغربيها، والتي تفشت مبادئها ومظاهرها بشكل مهول في الأدب بكل فنونه والفن بكل أشكاله وأنواعه؟
ألا تتحمل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية جزءا من المسؤولية حين تُحجّم واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خدمة للفجور السياسي ونشرا لثقافة الإرجاء من حيث تدري أو لا تدري، حين تكمم أفواه العلماء عن النهي عن المنكر كما فعلت بالدكتور ابن شقرون لما عزلته في مارس المنصرم عن الخطابة في أكبر مساجد المملكة، ثم عزلته شهر يوليوز الماضي عن رئاسة المجلس العلمي المحلي بعين الشق حين أنكر استقبال مهرجان موازين لداعية الشذوذ الجنسي “إلطون دجون”؟؟
ألا تتحمل هذه الوزارة جزءا من المسؤولية حين تقر مواسم الشرك والشعوذة، بل تسعى لإحيائها كجزء من الخصوصية المغربية المزعومة، ولا تقوم بأي مجهود ميداني لمواجهة تفشي السحرة والمحتالين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله، جهارا نهارا؟
ألا تتحمل وزارة الإعلام و(الهاكا) والمركز السينمائي المغربي جزءا من المسؤولية حين تسمح بالبث السمعي والبصري لأفلام وسهرات ومسلسلات وبرامج تهيج على الفاحشة، وتزينها للمرأة المغربية، وتقدمها لها بمظهر الرقي والمدنية، وأنها حرية وتفتح؟
أفلام من قبيل: (حجاب الحب) و(ماروك) و(كازانكرا)، التي تظهر فيها نساء مغربيات في مشاهد قبيحة، وهي أفلام مثلت المغرب في مهرجانات دولية، وشجعت المخرجين المشارقة على طلب خدمات الممثلات المغربيات للعب أدوار الخلاعة والمجون!
وحين تغيّب الوزارة المذكورة كل رقابة لمنع القنوات والمواقع الإباحية كما تفعل بعض الدول الإسلامية والصين مثلا؟
ألا تتحمل وزارة الداخلية جزءا من المسؤولية حين تغلق عشرات دور القرآن التي كانت من أهم حسناتها تنشئة الفتيات الصالحات المرتبطات بكتاب الله تعالى تلاوة وحفظا وعملا؟
ألم يكن الأولى تشجيع هذه الدور وتكثيرها لتعزز رسالة وزارة الشؤون الإسلامية المغلوبة على أمرها؟
ألا نتحمل جميعا المسؤولية حين نتساهل في بعض الأحكام الشرعية، بل نسخر منها ونحاربها؛ كحجاب المرأة وتحريم سفرها بغير محرم ونحو ذلك من الأحكام التي تصون عرض المرأة وتكمّل تربيتها الإيمانية التي تزرع وازع الخوف من الله في قلبها.
ألا يتحمل الآباء والأمهات المسؤولية حين يرسلون بناتهم إلى المؤسسات التعليمية كاسيات عاريات، لسان الواحدة منهن يقول: {هَيْتَ لَكَ}، وقد حرمنا أبناءنا من تربية إيمانية تجعل الواحد منهم يقول: {مَعَاذَ اللَّهِ}؟
ويبقى للمرأة المغربية القسط الأكبر من المسؤولية، لتبرأ ذمتها، وتمحو تلك الصورة البشعة التي يريد البعض إلصاقها بها لـ{حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ}..
إن استنكار المس بعرضنا وكرامتنا لن يكون صادقا إلا إذا تحمل كل واحد منا مسؤوليته، وأدى كل منا أمانته؛ حكومة وشعبا، آباء وأمهات، معلمين ومربين، سياسيين وحقوقيين.. إلـخ.
الكل يشارك بما أتيح له لصيانة عرض المرأة المغربية العزيز في نفوسنا، وحينئذ نكون صادقين في استنكارنا؛ وإلا فإن المنطق يرفض استهجاننا نتائج رَتَّبْنا مقدماتها، كما أن الشرع يأبى علينا أن نستنكر أعمالا لم نسد ذرائعها..