رفع الجنابة بالتيمم للعذر

 

مشروعية التيمم:

شرع الله التيمم رخصة لعباده عند عدم الماء قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43]، وهو من خصائص هذه الأمة، قال صلى الله عليه وآله وسلم: “أعطيت ثلاثاً لم يعطهن نبي قبلي: جُعلتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً”، قال الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43] وأحل لي المغنم ولم يحل لأحدٍ قبلي، وذلك لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال:41] ونُصرتُ بالرعب على مسيرة شهر.

يشرع التيمم في الأحوال التالية:

عدم وجود الماء: لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43] وسواء كان في سفرٍ أم حضر، ولا يكون عادماً إلا بعد أن يطلبه، ويبحث عنه إلى آخر الوقت إن جوز إدراكه، لقول علي عليه صلاة والسلام: (يتلوم الجنب إلى آخر الوقت، فإن وجد الماء اغتسل وصلى، وإن لم يجده تيمم وصلى)، وإن لم يجوز إدراكه تيمم ولو في أول الوقت؛ لأنه في حكم العادم.

فائدة: لا يجب الطلب للماء إلا في الميل فقط.

شدة الحر أو البرد: لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:87] وقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوْا أنْفُسَكُمْ} [النساء:29].

خشية الضرر من مرض أو غيره: لحديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: لا نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل فمات، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُخْبِرَ بذلك، فقال: “قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إن شفاء العي السؤال”.

وإنما يصح التيمم بالتراب الطاهر الحلال لقوله تعالى: {صَعِيْداً طَيِّباً} والصعيد الطيب هو الطاهر الحلال المنبت.

حكم التيمم للجنب:

الواجب على من أصابته جنابة وأراد الصلاة أن يغتسل بالماء؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)، فإن عجز عن استعمال الماء لكونه غير موجود، أو وجده وكان في استعماله ضرر لمرضه، أو لشدة البرد -وليس عنده ما يسخنه به-: فإنه يعدل عن الاغتسال بالماء إلى التيمم بالتراب؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)، ففي الآية دليل على أن المريض الذي يضره استعمال الماء كأن يؤدي الاغتسال إلى الموت أو زيادة المرض أو تأخير شفائه أنه يتيمم.

وقد بيَّن الله تعالى كيفية التيمم فقال: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وبيَّن حكمة هذا التشريع فقال: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6 .

وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ‌احتلمت في ليلة باردة في غزوة “ذات السلاسل” فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) النساء/29، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً .رواه أبو داود ( 334 )، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك سواء كان لأجل برد أو غيره، وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين .فتح الباري (1/454) .

وقال بعض أهل العلم: إن كنت تستطيع أن تجد ماء دافئا أو تستطيع تسخين البارد، أو الشراء من جيرانك أو غير جيرانك: فالواجب عليك أن تعمل ذلك؛ لأن الله يقول: (فاتَّقوا الله ما استَطَعْتُم)، فعليك أن تعمل ما تستطيع من الشراء أو التسخين أو غيرهما من الطرق التي تمكنك من الوضوء الشرعي بالماء، فإن عجزت وكان البرد شديداً، وفيه خطر عليك، ولا حيلة لك بتسخينه ولا شراء شيء من الماء الساخن ممن حولك: فأنت معذور، ويكفيك التيمم؛ لقول الله تعالى: (فاتَّقوا الله ما استَطَعْتُم) وقوله سبحانه: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ).

والعاجز عن استعمال الماء حكمه حكم من لم يجد الماء .

كيفية التيمم:

الطريقة الصحيحة بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمار بن ياسر في الصحيحين قال له: (إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا. ثم ضرب بهما الأرض “ضرب بهما الأرض: أي بكفيه” ثم مسح بهما وجهه وكفيه)، وهذا مطابق لقوله سبحانه: (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ)، فإذا كان في السفر وليس عنده ماء أو مريض لا يستطيع استعمال الماء ضرب بكفيه الأرض ضربة واحدة -ضربة خفيفة- ثم مسح بهما وجهه وكفيه، وإذا علق فيها تراب نفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه، هكذا المشروع والله ولي التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *