وقفنا في المقالة السابقة على مفهوم الإسلام للمساواة وقضية أداء الشهادة للمرأة.. وقبل أن نمر إلى شبهة نقصان العقل والدين سنحاول أن نقف على الإعجاز العلمي لهذا التشريع الحكيم، الذي يؤكد أن الشريعة الإسلامية تتسم أحكامها بالشمولية في تنظيم حياة الإنسان والصلاحية لكل زمان ومكان، بل لا يصلح زمان ولا مكان إلا بأحكامها.
ولهذا فأحكامها تحرر المجتمعات من الأمراض والانحلال الخلقي والصراعات، وتحرص على سلامة أفرادها جميعًا صحيًا ونفسيًا وجسديًا وعقليًا.
وما يؤكد هذا الدراسة التي أجريت من طرف فريق بحثي مكون من سبعة متخصصين من الولايات المتحدة الأمريكية من بينهم مصريون، وعرضت نتائجها -التي أذهلت العلماء المتخصصين- بالمؤتمر الدولي للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والشريعة الذي عُقِد في تركيا مؤخرًا. ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، عن الدكتور جمال الدين إبراهيم أستاذ علم التسمُّم بجامعة كاليفورنيا ومدير معامل أبحاث الحياة بالولايات المتحدة الأمريكية نتائجها وتفاصيل جزئياتها…
قال الدكتور جمال الدين: إنَّ دراسة بحثية للجهاز المناعي للمرأة كشفت عن وجود خلايا مناعية متخصصة لها “ذاكرة وراثية” تتعرَّف على الأجسام التي تدخل جسم المرأة وتحافظ على صفاتها الوراثية، لافتًا إلى أن تلك الخلايا تعيش لمدة مائة وعشرين يومًا في الجهاز التناسلي للمرأة.
وأضاف: إن الدراسة أكّدت كذلك أنه إذا تغيّر السائل المنوي الداخل إلى رحم المرأة قبل هذه المدة يحدث خلل في جهازها المناعي ويتسبب في تعرُّضها للأورام السرطانية، موضحًا أن هذا يفسِّر علميًا زيادة نسبة الإصابة بأورام الرحم والثدي للسيدات المتعدادت العلاقة الجنسية.
وكشف الدكتور جمال الدين إبراهيم أنّ الدراسة أثبتت أيضًا أنّ تلك الخلايا المتخصصة تحتفظ بالمادة الوراثية للجسم الدخيل الأول لمدة مائة وعشرين يومًا، وبالتالي إذا حدثت علاقة زواج قبل هذه الفترة ونتج عنها حدوث حمل فإنّ الجنين يحمل جزءًا من الصفات الوراثية للجسم الداخل الأول والجسم الدخيل الثاني.
وبالتالِي تظهر لنا حكمة الشريعة الإسلامية في تحريم تعدُّد الأزواج للمرأة. وتؤكد الإعجاز العلمي لأحكام الشريعة الإسلامية المتعلِّقة بتحديد فترة العدة للمرأة في: مائة وعشرين يومًا، وتحريم زواج الأشقاء بالرضاعة.
ومن ناحية أخرى، أشار الدكتور جمال الدين إبراهيم إلى أنّ الدراسة للجهاز المناعي للمرأة كشفت أن لبن الأم يتكون من خلايا جذعية تحمل الصفات الوراثية المشتركة للأب والأم، وبالتالِي تنتقل تلك الصفات للطفل الذي تقوم الأم بإرضاعه.
مما يعلل حكمة التشريع في تحريم زواج الأشقاء بالرضاعة والذي يترتب عليه حدوث خلل في الجهاز المناعي للأطفال الناتجة عن تلك الزيجات بالإضافة إلى الأمراض الوراثية الأخرى الخطيرة، بسبب نفس الصفات الوراثية التي رضعها الطفلان.
وما يزيد الدهشة في هذه الدراسات ما جاء به القرآن من اختلاف لعدة المطلقة وعدة المتوفى عنها زوجها. وعلى سبيل المثال والإجمال لما يقتضيه المقال نقول إن قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ البقرة:228.
والقَرْءُ على رأي الجمهور اجْتِمَاعُ الدَّمِ في الرَّحمِ، وذلك إِنما يكون في الطُّهْرِ لا الحيض وهو قول عمر وعائشة رضي الله عنهما. والشاهد عندنا نحن هنا في الآية: التحديد الدقيق لمدة عدة المطلقة، التي ينبغي أن لا تخرج من بيتها لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّـهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ الطلاق:1.
وأن تمتع بالمعروف لقوله سبحانه وتعالى: لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ البقرة:236
إن هذه المدة التي حددها الشرع كانت محط استهزاء وسخرية من طرف سقيمي الفهم والفؤاد. كانوا يقولون: إذا كان الهدف من قضاء المرأة للعدة قبل الزواج من شخص آخر هو استبراء الرحم من الحمل، فهذا أصبح أسهل ما يكون بالعلم الحديث الذي يمكن من معرفة هل المرأة حامل أم لا؟ من خلال التحاليل الطبية والكشف عن طريق الصدى .
والحمد لله قد تم الرد على هذه الشبهة، بما أثبتته الدراسات الحديثة من أن ماء الرجل يحتوى على 62 نوع من البروتين، وأن هذا الماء يختلف من رجل إلى آخر؛ فلكل رجل بصمة في رحم زوجته؛ فإذا تزوجت من رجل آخر بعد الطلاق مباشرة تصاب المرأة بمرض سرطان الرحم لدخول أكثر من بصمة مختلفة في الرحم، وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن أول حيض بعد طلاق المرأة يزيل من 32% إلى 35% من هذه البصمة، والحيضة الثانية تزيل من 67% الى 72% من بصمة الرجل، والحيضة الثالثة تزيل 99.9% من بصمة الرجل، وهنا يكون الرحم تم تطهيره من البصمة السابقة وقد استعد لاستقبال بصمة أخرى.
أما عن عدة المتوفي عنها زوجها في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا البقرة: 234.
فقد أثبتت الأبحاث أن عامل الحزن والكآبة عند المرأة المتوفى عنها زوجها يزيد من تثبيت البصمة لديها، وعدم التخلص منها. وقالوا إنها تحتاج لدورة رابعة كي تزيل البصمة نهائيا بالمقدار الذي أمر به الله عز وجل تقريبا في قوله جل شأنه أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
وبالتالي لا نملك في نهاية هذا حديث إلا أن نقول الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى؛ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير الملك:14؛ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ الذاريات:21؛ مَا خَلَقَ اللَّـهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يونس:5.