يعتبر كتاب الحكيم الترمذي المسمى “ختم الأولياء” من أخطر كتب الصوفية ضلالا وأجمعها فجورا ودجلا وزندقة، ويبدو أن الصوفية أطبقوا على الترحيب بالفكرة من حيث المبدأ، وبقي تعيين من هو ذلك الولي الخاتم؟
فوجدنا أن مجموعة كبيرة منهم اندفعت إلى الزج بنفسها أو بشيخها في هذا الميدان. ولعل الأوصاف العظيمة التي أضفاها الترمذي -صاحب الفكرة- على هذا الولي هي التي شوقتهم إلى ترشيح شيوخهم أو أنفسهم لهذا المنصب الخطير؛ حيث يبالغ في وصف هذا الولي المزعوم الذي يدعي أنه خاتم الأولياء فيقول عنه:
…فهذا سيد الأولياء، وأمان أهل الأرض، ومنظر أهل السماء، وخالصة الله، وموضع نظره، وسوطه في خلقه، يؤدب بكلامه، ويرد الخلق إلى طريقه، وبجعل منطقه قيداً لقلوب الموحدين، وفصلا بين الحق والباطل. فهذا الصنف الذين اجتباهم بمشيئته، لا من الصنف الذين ولي هدايتهم بإنابتهم، فإنهم قد ذكروا في الكتاب، فقال عز من قائل: ﴿الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب﴾ [الشورى:13].
فالمجتبي هو عبد قد جذب الله تعالى قلبه إليه، فلم يُعان جهد الطريق، وإنما جذبه على طريق اصطفاء الأنبياء، لأن حالة هذه خرجت له من المشيئة، فأجراه الله على خزائن المنن، ثم أخذ بقلبه فجذبه إليه واصطفاه، فلم يزل يتولى تربيته، قلباً ونفساً حتى رقى به إلى أعلى درجات الأولياء، وأدناه من محل الأنبياء بين يديه.
وأما المهتدي بالإنابة، فهو عبد أقبل إلى الله تعالى يريد صدق السعي إليه، حتى يصل إليه، فبدل أصدق الجهد، فهداه الله إليه لما كان منه من الإنابة، فهذا عبدٌ، جهده نصب عينيه أبدا، وهو حجاب له عن ربه عز وجل، وإن سبق لظنه أن هذا منه، ونطق بلسانه وتبرئ من جهده فإن جهد نصب عينيه، لا يخرج علم ذلك من نفسه. والمجذوب لم يُعان شيئا من هذا: فهو اصطفاء الأنبياء، يمر إلى الله والله يذهب به، وهو لا يهتدي لشيء من الطريق، فهو صاحب الحديث والمبشّر والمستعمل، فلا 1شيء يتعاظم عنده من هذه الأقوال .
وعنه يقول أيضاً: فكما كان محمد صلى الله عليه وسلم حجة على الأنبياء، فكذلك يصير هذا الولي حجة على الأولياء بأن يقول الله تعالى لهم: معاشر الأولياء أعطيتكم 2ولايتي فلم تصونوها من مشاركة النفس، وهذا أضعفكم وأقلكم عمراً قد أتى بجميع الولاية صدقا، فلم يجعل للنفس فيها نصيباً ولا تلبيساً .
– وهذا الكلام ومثله كما سيأتي معنا، كان سببا في تكفيره وإخراجه وطرده من بلدته.
3قال الإمام الذهبي رحمه الله في السير :
الإمام الحافظ العارف الزاهد أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن بشر الحكيم الترمذي، حدث عن أبيه وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر وصالح بن عبد الله الترمذي وعتبة بن عبد الله المروزي ويحيى خت وسفيان بن وكيع وعباد بن يعقوب الرواجني وطبقتهم، وكان ذا رحلة ومعرفة وله مصنفات وفضائل حدث عنه يحيى بن منصور القاضي والحسن بن علي وغيرهما من مشايخ نيسابور فإنه قدمها وحدث بها في سنة خمس وثمانين ومئتين وقد لقي أبا تراب النخشبي وصحب أحمد بن خضرويه ويحيى بن الجلاء، وله حكم ومواعظ وجلالة لولا هفوة بدت منه.
قال أبو عبد الرحمن السلمي أخرجوا الحكيم من ترمذ وشهدوا عليه بالكفر وذلك بسبب تصنيفه كتاب ختم الولاية وكتاب علل الشريعة. وقالوا: إنه يقول إن للأولياء خاتما كالأنبياء لهم خاتم، وإنه يفضل الولاية على النبوة، واحتج بحديث يغبطهم النبيون والشهداء. فقدم بلخ فقبلوه لموافقته لهم في المذهب.
4وفي مجموع الفتاوى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
بل لما تكلم الحكيم الترمذي في كتاب ختم الأولياء بكلام وذكر أنه يكون في آخر الأولياء من هو أفضل من الصحابة وربما لوح بشيء من ذكر الأنبياء قام عليه المسلمون وأنكروا ذلك عليه ونفوه من البلد بسبب ذلك. ولا ريب أنه تكلم في ذلك بكلام فاسد باطل لا ريب فيه ومن هناك ضل من اتبعه في ذلك حتى صار جماعات يدعي كل واحد أنه خاتم الأولياء، كابن عربي صاحب الفصوص، وسعد الدين بن حمويه وغيرهما. وصار بعض الناس يدعي أن في المتأخرين من يكون أفضل في العلم بالله من أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار، إلى أمثال هذه المقالات التي يطول وصفها مما هو باطل بالكتاب والسنة والإجماع.
.يقول في كتابه ” ختم الأولياء” :
“وما صفة ذلك الولي، الذي له إمامة الولاية ورياستها وختم الولاية؟
قال: ذلك من الأنبياء قريب، يكاد يلحقهم.
قال: فأين مقامه؟
قال: في أعلى منازل الأولياء، في ملك الفردانية، وقد انفرد في وحدانيته، ومناجاته كفاحاً في مجالس الملك، وهداياه من خزائن السعي.
قال: وما خزائن السعي؟
قال: إنما هي خزائن ثلاث: خزائن المنن للأولياء، وخزائن السعي لهذا الإمام القائد، وخزائن القرب للأنبياء عليهم السلام، فهذا خاتم الأولياء مقامه من خزائن المنن، ومتناوله من خزائن القرب: فهو في السعي أبداً فمرتبته ههنا، ومتناوله من خزائن الأنبياء عليهم السلام، قد انكشف له الغطاء عن مقام الأولياء ومراتبهم وعطاياهم وتحفهم” .
———
1- ختم الأولياء ص 68، ط . دار الكتب العلمية.الفصل الحادي والعشرون والذي عنونه بـ :” الولي والأسرار الإلهية”.
2- تم الأولياء ص 77، ط . دار الكتب العلمية.الفصل الحادي والعشرون والذي عنونه بـ :” خاتم الأولياء”.
3- السير 13/439.
4- مجموع الفتاوى لابن تيمية ج: 13/267.
5- ختم الأولياء ص45 ، ط . دار الكتب العلمية.الفصل الثالث عشر والذي عنونه :”بخاتم الأولياء”