مؤسسة الزكاة والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية (من المسؤول عن حرمان المغاربة من مؤسسة الزكاة؟) حمّاد القباج

لا يحتاج المغاربة إلى تعريفهم بفضل إخراج زكاة الأموال؛ من ذهب وفضة ونقد وحيوان وعروض..؛ وإنما يكفي أن نذّكر بأن القرآن اشتمل على 33 آية في الحث على إيتاء الزكاة وفعلها، وفصّلت السنة في ذلك بعشرات الأحاديث ترغيبا وترهيبا إلى درجة أن جعلت إيتاءها أحد أركان الإسلام الخمسة.

وبلغة القاموس الاقتصادي المعاصر؛ أكد خبراء اقتصاديون أن الزكاة خطة اقتصادية متكاملة يعجز العقل البشري عن وضعها، وقد أُنجِزت لإثبات ذلك دراسات علمية كثيرة، كما أكدوا أن كل صنف من أصناف مستحقي الزكاة الثمانية ينمي قطاعا اقتصاديا معينا:
فسهم الفقير يلعب دورا مهما في معالجة مشكلة الفقر؛ التي تتفاقم في بلدنا -كغيره-؛ كما بينت ذلك دراسة حديثة لجامعة أكسفورد وضعت المغرب في الرتبة قبل الأخيرة عربيا بعد مصر وسوريا (احتلت اليمن الرتبة الأخيرة) ، وكما توحي بذلك معادلة: “غلاء الأسعار واستقرار الأجور”، وكون عجز المواطن المغربي في ازدياد مطرد، بالإضافة إلى استمرار الجشع الرأسمالي الممثل في تضخم ثروة القلة في الوقت الذي تضعف القدرة الشرائية لشرائح واسعة، وهو ما يعني تزايد الفوارق بين طبقات الشعب..
أما سهم “المساكين” فيحسّن وضعية (محدودي الدخل)؛ بناء على أن المسكين غير الفقير؛ وهو (أي: المسكين) من يملك ما لا يكفيه.
وسهم “العاملين عليها” يخلق وظيفة توفر مناصب شغل عديدة؛ إذ يدخل فيه كل من يقوم بعمل من الأعمال المتصلة بجمع الزكاة وتخزينها وحراستها وتدوينها وتوزيعها..
والزكاة -عموما- أداة أساسية لخلق فرص عمل والقضاء على البطالة، (بخلاف البورصة مثلا التي لا تنتج عنها فرص عمل).
أما سهم “الغارمين” فيدفع منه لكل من تحمل دَيْنا شرعياً لمصلحته أو لمصلحة عامة، ولم يتمكن من سداده لظروف خارجة عن إرادته، وهذا أيضا يشجع الشباب على الاستثمار الجاد المدروس، ويفك رقابهم من أغلال النظام الربوي وقبضة البنوك الأخطبوطية، حيث يوفر لهم بديلا مشجعا.
وسهم “المؤلفة قلوبهم” يمكن أن يؤدي إلى تحقيق مكاسب دعوية أو سياسية؛ بتأليف من يخشى ضررهم أو يرجى نفعهم، لا سيما أرباب الإعلام القوي الذي يشوه صورة الإسلام أو يسعى للإضرار بوحدة المسلمين أو اقتصادهم أو غير ذلك، فهذا قد ينقلب ناصرا إذا أعطي مالا..
وقد رأينا كيف استطاع اليهود في أمريكا أن يحكموا العالم باللوبي، لأنهم يستثمرون في ذلك الأموال الهائلة.
كما يمكن الصرف من هذا السهم في الكوارث لغير المسلمين إذا كان ذلك يؤدي إلى تحسين النظرة إلى المسلمين وترغيب الغير في الإسلام‏.‏
.. وهكذا زكاة الثروة الحيوانية والزراعية لها أثر كبير في تحسين القطاع الفلاحي، وتشجيع صغار الفلاحين وتمكينهم من العمل الشريف، والحد من الهجرة القروية وآثارها السلبية..
فلو أن كل مواطن -مثلا- يملك 40 رأسا من البقر يلزم كل سنة بإعطاء بقرة لفقير من باديته؛ لكان ذلك نواة لمشروع يبدأ صغيرا ثم يكبر شيئا فشيئا، فإذا أضفنا إلى ذلك حكم الشريعة في تحريم لبن الفحل -وهو المعمول به في بوادينا-؛ علمنا أن هذا باب استثماري ينفع الفقراء..
والحق أننا نضر كثيرا بالفلاح حين نحرمه من مؤسسة الزكاة ونستنزفه بالقرض الفلاحي الذي هو أشبه ببابٍ ظاهره الرحمة وباطنه من قبله العذاب.
..ويبقى أول مستفيد من إخراج الزكاة: الغني نفسه؛ لأن بالزكاة يمكّن شرائح كثيرة من شراء بضاعته التي ينتجها في مصنعه أو يروجها في شركته؛ فالزكاة تساعد على رفع مستوى القدرة الشرائية..
إلى غير ذلك من المصالح والمنافع، التي يتعذر إحصاؤها.
ولا يخفى؛ أننا لا نتحدث هنا عن مجرد إخراج الزكاة؛ بل عن قيام الدولة بجمع تلك الزكاة من كل من تجب عليهم، ثم توزيعها على الجهات المستحقة بما يحقق المصالح الشرعية ويدفع بعجلة التنمية، وهو ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، واستمر مع الخلفاء بعده، حتى أن أبا بكر رضي الله عنه حارب الرافضين تسليم الزكاة للدولة، ثم أجمع الصحابة على رأيه، مما يدل على دورها الأساسي في المجتمع.
ومن هنا نقول: إن تفعيل مؤسسة الزكاة سيدفع إلى الأمام بعجلة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي انطلقت في ماي 2005 قصد تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمغاربة، كما أنها ستمثل موردا مهما وداعما لمؤسسة محمد الخامس للتضامن ومثيلاتها من المؤسسات..
لكن النظام الاقتصادي الربوي والفكر العلماني الذي يؤطره يشكلان عقبة في طريق تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي الذي أكدت الأزمة المالية الأخيرة الحاجة الماسة إليه، وهو ما يتجاهله العلمانيون الكارهون لأحكام الشريعة الغراء.
لقد أصدر المجلس العلمي الأعلى يوم 21 رمضان 1431؛ فتوى من خمس صفحات في مشروعية إخراج زكاة الفطر نقدا.
والواقع أننا في حاجة إلى فتوى تدعو إلى تفعيل مؤسسة الزكاة، تستند إلى دراسة فقهية واجتماعية واقتصادية معمقة.
إن زكاة الفطر خاصة بالفقراء، تعطى لهم مواساة وطهرة للصائم، لكن زكاة الأموال تلعب دورا في خفض عددهم؛ فزكاة الفطر لمواساتهم، وزكاة الأموال لتيسير سبل خروجهم من حيز الفقراء إلى حيز مادي أحسن منه، وهذا أهم بكثير، ولذلك كانت زكاة الأموال من أركان الإسلام دون زكاة الفطر..
ولعل من المهم التنبيه هنا؛ على أن القول بمشروعية إخراج زكاة الفطر مالا، هو في حد ذاته تكريس لواقع غياب مؤسسة الزكاة، وتخلف كثيرين عن أداء زكواتهم ؛ فلو أن الأغنياء أدوا زكاة المال المفروضة عليهم لما وجد الدافع لإخراج زكاة الفطر نقدا..
إن تقصير العلماء والسياسيين في إيجاد الإطار التطبيقي لمؤسسة الزكاة، واتفاقهم على تأخير إصدار “فتوى تحريم الربا” بذريعة مراعاة المصلحة! يتعارض تماما مع التشريع الإسلامي الذي يقول مصدره الأول: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة/276].
لقد أعلن الملك الحسن الثاني رحمه الله في رمضان لعام 1418 عن تأسيس مؤسسة للزكاة، وتم الشروع في إعداد دليل للزكاة بتعاون بين وزارة الأوقاف والمجالس العلمية ووزارة المالية، وتم إعداد دليل يتضمن إجابة على عدد من الأسئلة المرتبطة بفقه الزكاة، إلا أن الملك توفي قبل تفعيل عمل المؤسسة.
كما أكد الملك محمد السادس -وفقه الله لما يحبه- في رمضان سنة 1424 تشبته بتأسيس صندوق للزكاة.
فنستغرب فعلا من تأخر انطلاقها مع تأكد الحاجة ووجود الإرادة لدى أعلى سلطة سياسية في البلاد.
وفي مقابل هذا التقصير في إيجاد مؤسسة الزكاة والحث على تبني الاقتصاد الإسلامي بدل الربوي؛ نرى وزير الأوقاف يغرق في إلزام الأئمة بهيئات تعبدية أقل ما يقال فيها أنها فروع خلافية لا يسوغ فيها الإلزام.
وهذا جنوح بمشروع هيكلة الحقل الديني إلى متاهات تضيع على المغاربة كنوز شريعتهم وتدخلهم في صراعات مذهبية تضر ولا تنفع..
وكان المفروض أن تهتم الوزارة بتفعيل الحسبة لمعاقبة المجاهرين بترك الصلاة -ومنهم بعض موظفي الوزارة أنفسهم-، بدل تفعيلها لفرض هيئات معينة في الصلاة ومعاقبة من لا يلتزم بها من الأئمة.
إن المغاربة لا يعانون من وضع اليمنى على اليسرى أو عدم الجهر بالتهليل خلف الجنازة؛ بقدر ما يعانون من شبح الفقر وغلاء المعيشة -إذا استثنينا تفشي البدع والشركيات وانتشار الانحرافات الأخلاقية-، مع أن شريعتهم تشتمل على نظام معجز يمكن أن يحل المشكلة حلا جذريا وليس فقط ترقيعيا، وتفعيل هذا النظام يدخل في صميم واجبات وزارة الشؤون الإسلامية؛ لأن الزكاة هي ركن الإسلام الثالث..
وأخيرا نقول: إلى متى يبقى المغاربة محرومين من بركات نظام الزكاة المعجز، غارقين في أوحال الربا ومكبلين بأغلال نظام ضرائبي غير عادل؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *