أي ديمقراطية يريدون؟ وعن أي ديمقراطية يتحدثون؟ الحسن بن الحسين العسال

يعتبرون الديمقراطية دينا لا يجوز المساس به، في حين يوجبون هتك كل مقدساتنا، ويجعلون ذلك من أركان ديمقراطيتهم بدعوى حرية التعبير، ثم يطالبوننا بحرية التعبير وقبول الاختلاف.

التسامح
عن أي تسامح يتحدثون؟ يغزوننا في بلداننا، وينهبون ثرواتنا، ويصادرون إرادتنا، ويعيثون في أراضينا فسادا، ويبتكرون كل أنواع الظلم والبطش لإخضاعنا، وما رمز التسامح “غوانتنامو” عنا ببعيد! هذا المعتقل الرهيب –رمز العدالة الغربية التي وصفها بوش الصغير مرة بالمطلقة- يزج في زنازنه الأبرياء، دون توجيه أدنى تهمة، بله المحاكمة العادلة؛ أضف إلى وصمة العار هذه فضائح سجن أبي غريب و”بَاغْرام”، والسجون السرية عبر العالم.
ثم يأمروننا بالتسامح والحوار، ومن ورائهم بنو علمان.
حرية التعبير
هذه الحرية غير المكفولة سوى لوحوشهم أمثال “بوش” و”بلير” والحي الميت “شارون”، وغيرهم كثير. أما من يعارضهم الرأي فلا حرية تعبير، فهذا مدير قناة أمريكية سرحوه من عمله، وتلك صحفية أمريكية حاكموها لرفضها الكشف عن مصادر أخبارها، وذلك الموظف الفرنسي الذي انتقد ما يسمى [بإسرائيل] ففصل عن عمله؛ بل اسأل سامي الحاج عن سبب اعتقاله، وطارق أيوب عن سبب قتله، واسأل مقر الجزيرة في كابل عن سبب قصفه، واهمس في أذن “بلير” عن المذبحة التي كان سيرتكبها في الدوحة.
وإياك أن تسأل “روجي غارودي” أو المؤرخ البريطاني الذي اعتقل في النمسا عن المحرقة اليهودية!
يكممون الأفواه، ويزهقون الأرواح، ويروعون الآمنين، ثم يتحدثون عن حرية التعبير، فمن يصدقهم؟ بنو علمان..
قبول الاختلاف
على من يضحكون؟! على بني علمان..
فها هي حماس فازت عن طريق ديمقراطيتهم، وشهد العادي والبادي بنزاهة الانتخابات، ثم ماذا بعد؟ انقلاب منهم على ديمقراطيتهم، لماذا؟ لا لشيء إلا لأن حماسا لا تقاسمهم أفكارهم ومعتقداتهم.
هم لا يقبلون الاختلاف، بل يطبقون الإقصاء، بل حتى الحذف من الوجود، ومن ورائهم بنو علمان، ونحن علينا قبول الاختلاف لأنه من أركان ديمقراطيتهم!
عن أي ديمقراطية يتحدثون؟
نحن نطبق قوانينهم في بلداننا وبلدانهم، فيمنع الحجاب في فرنسا وتركيا وتونس، وكأن الحجاب قنبلة موقوتة ما تفتأ أن تنفجر، وكأن عنجهية الغرب وكبرياءه وثقته بنفسه لم يعد لها وجود إلا في “هوليوود”، أأصبح الغرب ضعيفا إلى الحد الذي عجز فيه عن مقارعة الحجة بالحجة،حتى بدا مرعوبا من قطعة قماش؟!
هل يريدون ديمقراطية: “قولوا ما تريدون وسنفعل ما نريد”، ألم يعارض الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون والإيطاليون والألمان والغرب عامة، بل العالم بأسره استباحة العراق؛ فماذا كان رد الديمقراطيين أمثال بلير وبوش؟ حربٌ وحشية همجية أتت على الأخضر واليابس، ودمرت الإنسان والحيوان والجماد، ثم لا زالوا يتحدثون عن الديمقراطية، ومن ورائهم بنو علمان يحملون لهم الأبواق، كي يقوموا بواجب التسميع..
ألم يعزف الأمريكيون عن الانتخابات، ثم ما ذا بعد؟ استفراد قلة حقيرة بالقرار إلى حد تزوير الانتخابات في ولاية “بوش” الصغير الأولى، ومع هذا التزوير، وبعد الحساب الدقيق،كم يتبقى لبوش من الأصوات؟ ثمانية في المائة! أصبحت ديمقراطية الأغلبية ديمقراطية أقلية، بل ديمقراطية مصالح الأقوياء، أما الشعب فهو مجرد قطيع لا حول له ولا قوة، نعم إن القيمة الوحيدة التي يؤمن بها أصحاب القرار في الغرب هي المصلحة، بل هي العقيدة الوحيدة التي يخلصون لها، فأينما كانت مصلحة فثمة ديمقراطية، وأينما لم تكن فثمة خرق للديمقراطية، وتعليق في اللائحة السوداء الأمريكية بتهمة الإرهاب.
هذا هو العجب العجاب! تناقض نسقي ينسف الديمقراطية من أساسها، وتناقض مع واقع الحال يأتي على بنيانها من القواعد.
أليس السود وغيرهم من الأقليات الكبيرة والمقهورة أمريكيين؟
فأين محلهم من الإعراب في اتخاذ القرار، أو حتى في المساواة؟
واسأل “كاترينا” تأتيك بالخبر اليقين.
هل “كوندوليزا رايس” و”كولن باول” هما السود؟ ما لكم كيف تحكمون يا بني علمان! لو كانت المساواة -التي يدعونها- أمرا عاديا، لما أثيرت مسألة سواد “باراك أوباما”، وجنس “هيلاري كلينتون”! هؤلاء “الطيبون” البيض الوجوه، الزرق العيون، يصدق فيهم قول الشاعر:
جمال الوجوه مع خبث النفوس *** كقنديل على قبر المجوس
هل من الديمقراطية ألا يُعترف للدول المستخرَبة [بفتح الراء] بأنها استُخربت؟ مجرد اعتراف، أن تعترف القوى المستخربة [بكسر الراء] بكبائرها في حق شعوب مستضعفة.
وعلى الرغم من هذا الرفض يتحدث بنو علمان عن توبة المستخرب، لا لشيء إلا لأنهم يعتبرونه السيد؛ فلا أدري أين عقولهم؟ بل أين هم؟ لأنهم أصبحوا لا يوجدون، ماداموا قد مسخوا من أصولهم.
هل من الديمقراطية أن تثار الزوابع السياسية حول دارفور، ويسكت عن “أوغادين”!
هل من الديمقراطية أن تثار الزوابع السياسية حول انتخابات زمبابوي، ويسكت عن انتخابات كينيا!
يا بني علمان أي ديمقراطية تريدون؟
وعن أي ديمقراطية تتحدثون؟
أم أن أسيادَكم أربابُكم؟ أين عقولكم؟ بل أين قلوبكم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *