هذا تراثنا الذي يسخر منه بنو علمان.. ذ.الحسن العسال

إن بني علمان لا يعملون على نشر إلا ما يرون أنه الجانب المظلم من تراثنا وحضارتنا! أما الجوانب المضيئة فيستقلونها ويستخفون بها، وفي أحسن الأحوال يعتبرونها ماض مضى وانقضى، فليس من الحداثة عندهم أن تحن الأمة الإسلامية إلى ماضيها، مع أن أمة ليس لها ماض ستؤول إلى زوال، وتصبح في خبر كان، أو تكون وصمة عار في جبين الأمم، كلقيط بدون نسب أو حسب ولا أب أو أم.

إن بني علمان يشطبون بجرة قلم حاقدة، ثمانمائة سنة من تاريخنا الزاهر في الأندلس، والذي امتد من 92هـ/711م إلى 897هـ/1492م.
والغريب العجيب أنهم لا يفعلون الشيء نفسه مع تاريخ أسيادهم، بل على العكس من ذلك تماما، يعملون على تمجيده، وتذكيرنا به في كل محفل وناد، معتبرين الديمقراطية اليونانية أصل الديمقراطيات الحديثة، والفلسفة أم العلوم، وأرسطو أبا المنطق، وروسو مؤسس المدنية، وأوغست كونط رائد علم الاجتماع، وهلم جرا… بحيث يكون تراث الإنسانية مدين لتراث الغرب، ولا تراث يعلو فوق تراثه، بل كل تراث هو عالة عليه.
هكذا يتعاملون مع تراثنا بازدراء، ومع تراث الآخر بانبهار، متجاهلين يوم كانت جامعاتنا في الفردوس المفقود قبلة للطلبة الأوربيين، ومارستاناتنا ملاذا صحيا لأمرائهم وملوكهم؛ قبل عامتهم، مما حذا بالطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون أن يتمنَّى لو أن العرب المسلمين استولوا على فرنسا؛ لتغدوَ باريس مثل قرطبة في إسبانيا المسلمة، بل إنه أكد على أن أوربا تدين بالفضل للمسلمين في تمدنها، وهذا ما يكره بنو علمان أن يسمعوه.
وإمعانا في إسماعهم ما يكرهون، أحيلهم على أقوال المنصفين الغربيين في الحضارة الإسلامية، وأخص بالذكر على سبيل المثال لا الحصر: المستشرقة الألمانية زيجريد هونكة، والمستشرق الكندي رينيه جيبون، والطبيب البريطاني روبرت برفولت، والباحث الإسباني خوسيه لويس بارسلو…
هؤلاء المنصفون لم يتحدثوا من فراغ، بل كان تراثنا هو من دفعهم لقول الحق الذي يستنكف بنو علمان من البوح به، على الرغم من نصاعة الأدلة التراثية التي تؤكد على دائنية الغرب لنا.
فهذا الخوارزمي مؤسس علم الجبر، وذاك أبو بكر الرازي معلم الطب الإكلينيكي، وذلك أبو الوفاء البوزجاني الذي حاز الإمامة في الرياضيات، وهذا عالم الكيمياء جابر بن حيان صاحب العلم التجريبي(1)، وكذا الحسن بن الهيثم(2) في حقل البصريات، ولم يتشرف العالم الغربي بهذا المنهج، إلا في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي مع روجر بيكون، ثم فرانسيس بيكون في القرن السابع عشر الميلادي.
وضدا على التاريخ والحقيقة اشتهر هذان الأخيران بهذا المنهج، دون العالمين المسلمين اللذين كانا لهما قصب السبق في ذلك! لا لشيء إلا لأن بني الأصفر، لما هيمنوا على الاقتصاد العالمي من خلال تاريخهم الإجرامي؛ زيفوا التاريخ، وقلبوا الحقائق لصالحهم، وتبعهم في ذلك بنو علمان من بني جلدتنا.
نعم إن تراثنا الحضاري وأخص بالذكر العلمي منه كان مبهرا وأخاذا، سلب عقول الملوك قبل غيرهم، فهذا فريدريك الثاني الذي كان معجبا بالثقافة العربية الإسلامية ومشجعا دراستها والترجمة منها.
وأصبحت صقلية في عهده مركزًا هامًا لانتقال الحضارة الإسلامية إلى أوروبا، إلى درجة أن اهتمامه هذا أغضب رجال الدين النصارى، فاتهموه بالهرطقة والخروج عن الدين.
وفي باب الترجمة لا يكاد بنو علمان يذكرون إلا المأمون بن هارون الرشيد الذي أسس دار الحكمة في بغداد لتنشيط حركة الترجمة، أما ترجمة بني الأصفر لكتب العرب، فلا ذكر لها في ما خطّوه.
يقول غوستاف لوبون: “ظلت ترجمات كتب العرب، ولا سيما الكتب العلمية، المصدر الوحيد تقريبًا للتدريس في جامعات أوروبا خمسة قرون أو ستة قرون”.
فلماذا كان بنو الأصفر يترجمون كتب المسلمين؟
والجواب لا يحتاج لعبقرية فذة…!!
ولنربط التراث بالمعاصرة، أحيط القارئ الكريم علما بالدورة 37 للمعرض الدولي للاختراعات في جنيف، المنعقدة في أبريل 2009م، والتي شهدت مشاركة عربية مكثفة، ضمت السعودية والكويت والإمارات والجزائر والمغرب وتونس وليبيا.
ومن بين هذه الاختراعات، اختراع مغربي قام به أحمد زغار، والمتمثل في “العصا المكتشفة للسوائل”، وهي عصا تجنب المكفوف، أو ضعيف البصر مشكلة المشي في أماكن تغمرها برك يفوق عمقها سمك أرضية الحذاء.
وثمة مخترع جزائري اخترع نظام محرك لا يستعمل الأذرع الميكانيكية الناقلة للحركة. ومخترع إماراتي اخترع حبرا يسمح بالرؤية حتى بدون وجود مصادر كهرباء أو نور، وآخر سعودي قام باختراع نظام لتأمين السلامة في المسابح.
هؤلاء أحفاد الأوائل، لا تقام لهم المهرجانات، ولا تصرف عليهم الأموال الطائلة، ولا يسيل من أجلهم مداد بني علمان لربط ماضينا بحاضرنا، قصد استعادة مجدنا المفقود، في مستقبل الأيام.
فإذا كان لنا تراثنا الذي نعتز به، ونعمل جاهدين على النسج على منواله بأدوات عصرية لاستعادة مجدنا الضائع، فماذا لبني علمان غير تقليد الآخر، واللهاث وراء أفكاره الهدامة، دون أن نرى منهم استراتيجية تروم النهوض بهذه الأمة علميا واقتصاديا؟!
وهم الذين يهيمنون على معظم مفاصل الدول العربية، ودواليب الحكم فيها، كما يستحوذون على الجمعيات والأحزاب، وما يسمى بالمجتمع المدني. لكن… لأنه لا تراث لهم يعتزون به، ويستلهمونه لبناء مستقبل مشرق، لا حيلة لهم إلا اللهاث وراء فتات الفكر الغربي، مادام هذا الأخير ينظر للآخر نظرة استعلاء بدليل قول هيغل: “إن تاريخ العالم يتجه من الشرق إلى الغرب، لأن أوربا هي نهاية التاريخ على نحو مطلق”.
وهذا عين ما استلهمه فوكوياما لتأسيس نظرية نهاية التاريخ، التي تعني ألا تاريخ يعلو فوق التاريخ الغربي. وكان ماركس يقول إن التاريخ سيبلغ نهايته بتحقيق الدولة الشيوعية المثالية، فيما اعتبر ماكس فيبر الأخلاق البروستانتية هي روح الرأسمالية، وأن هذه الأخيرة هي نهاية التاريخ. فدار بنو علمان، ولازالوا يدورون، أينما دار الفكر الغربي ويدور، يمينا أو يسارا!!
أقول: هل يشفع لبني علمان هذا الدوران في الفلك الغربي، دون تقديم شيء من بنات عقولهم وأفكارهم، على المستوى العلمي والتكنلوجي لا على المستوى الفكري ينفعون به الأمة، ويدفعون بها إلى الأمام علميا واقتصاديا، عوض الاقتصار على النهل من عفونة فكر أسيادهم، وعوض تجاهل تراثنا العلمي الذي دام قرونا، والذي عليه بنى الغرب تطوره.
ــــــــــــــــــــــــــــــ

1- امتدت حياته ما بين 103-200هـ/721-813م.
2- امتدت حياته ما بين 354-430هـ/965-1040م.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *