الاستقامة: قيمة إسلامية ومطلب تاريخي محمد زاوي

 

 

حث الإسلام الناس على النظام والاستقامة، وكان ذلك مخرجا للإنسان من توحشه وحيوانيته وغابويته. واليوم، ترد علينا دعوات لا تعتبر في التاريخ إلا الأفراد. والحقيقة هي أن التاريخ لا يعتبر الفرد إلا إذا تحرك في جماعة.

العرب لم يتمكنوا من مقاومة تهديدات الفرس والروم والحبشة فرادى أو حتى قبائل، ولكنهم فعلوا ذلك وتجاوزوه لمّا توحدوا على كلمة جامعة (=التوحيد) وأسسوا دولة. فقويت دولتهم، وتوسعوا وانتشرت دعوتهم إلى أن بلغوا البقاع البعيدة. لم يكن ذلك ليتحقق لهم لو لم يأخذوا بسنن التاريخ، ولو لم يواجهوا ما يهددهم بما تفرضه عليهم الضرورة التاريخية. كان بإمكانهم أن يبقوا رسلا ودعاة وتقاة يتكلمون ويبكون ويخشعون ويفسرون الذكر الحكيم، ولكنهم لو فعلوا ذلك لكان التاريخ غير التاريخ الذي نقرأه اليوم.

هل تظنون، أيها القراء، أن الجماعة تجتمع بدون ضوابط؟

لن نجيب على هذا السؤال بما نحلم به ونطمح إليه، ولكن التاريخ قال كلمته في هذا الباب. فلم يسبق لدولة أن تأسست بمراعاة الأهواء، كما لم يسبق لمقاومة أن قاومت وصمدت بالكسل والتواكل. الحرية مطلب، ولكنها مقيدة بالضرورة. إذ ليس هناك حرية مطلقة على الأرض، وإلا فلتعش العدمية لينتهي كل فعل بشري جماعي، وليعش الأفراد دون أن يجتمعوا.

هذه هي الحيوانية، وهذه هي انتكاسة الإنسان. فهل يعقل أن يحطم الإنسان كل ما بنى وينتفض على كل ما وصل إليه من منجزات مادية وثقافية؟ أليس هذا هو الحمق بعينه؟

ليست هناك حرية مطلقة، وبالتالي لا تستقيم حياة جماعية بدون استقامة. قد يقول قائل: “وهل ننفي الفرد بالجماعة؟”. وهذا سؤال بليد، لأن الحياة الفردية من الحياة الجماعية، وهذه من تلك. هذا هو الجدل بين الفرد والجماعة: لا تستمر جماعة ولا تتطور بقمع كل طموحات ورغبات وتطلعات الأفراد، ولا يعيش الأفراد بتفكيك الجماعة والتخلص منها. ومن نفس المنطلق، نقول: لا تُحْفَظ الجماعة بسيولة الأفراد وعدميتهم وتفلتهم من كل معيار أو ضابط، ولا يرتقي الأفراد في ظل قمع الجماعة المبالغ فيه.

الاستقامة شرط لنبني ونقاوم، ولكن أعداءها ينظرون إليها بعيدا عن:

– مراحل تطور الإنسان وإنجازاته التاريخية، حيث تجاوز الإنسان حيوانيته لما عرف النظام والقانون والدين.

– حالنا نحن دول العالم الثالث، حيث جردتنا العولمة من كل انتماء جغرافي أو تاريخي أو ثقافي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *