جاء في تقرير مجلة إفريقيا الفرنسية 1913:
“وفي جنوب فاس ما تزال ناحية الأطلس المتوسط مضطربة نتيجة دسائس روكي فشتالة رغم أن قواتنا لقنته درسا عقابيا قاسيا في نهاية فبراير بمداهمته في مشرع الجرف هو ومن معه من النهاب على بعد 14 كلم شرق صفرو، بعدما نجح في تكوين حركة من آلاف الرجال المنتمين لأيت يوسي وبني سادان.
الجنرال كورو أمسك بتلك الشرذمة في دواوير طائعة بالسهل، فسلط عليهم الكولونيل مازيلي مع فوجين وفصيلتين وبطارية ونصف، يوم 19 فبراير 1913 الذي هاجمهم في مشرع الجرف كما أسلفنا بشكل مباغت فاضطروا للفرار من أمامه، تاركين خياما ومؤونة وعددا من الرسائل، وقد بلغت خسائرنا تسعة جرحى، وبذلك يكون هذا الانتصار قد أزال لبعض الوقت خطر رجال الروكي الفشتالي وسيدي رحو، من غير أن يتخلوا عن مهاجمتنا بين الفينة والأخرى بواسطة السكان المعادين لنا في السهول، والفقراء المقيمين بالأطلس المتوسط.
ومن أجل إرساء التهدئة نهائيا أقام كورو دائرة لحياينة بقلب القبيلة في سوق أربعاء تيسة على واد اللبن التي توجد شمال شرق فاس على بعد 40 كلم.
في ملوية
سبق أن أشرنا في الشهر الماضي بأن الجنرال أليكس كلف الجنرال جراردو بأن يقوم بجولة تظهر للقبائل قدرة قواتنا على التحرك بسهولة، وأن اقترابه من أماكن تواجدها لا يشكل عدوانا عليها ما دامت ترضى بالعيش في سلام معنا.
في تلك الجولة تم تأكيد خضوع هوارة المتواجدة في الشمال بكعدة دبدو، مقتربا من قبائل بني وراين، حيث عسكر في مستوى منحدر على الضفة اليمنى لملوية قصد التأكد من شعور القبائل المجاورة للمعسكر اتجاهنا، فكانت المهمة ناجحة نجاحا تاما.
يوم 17 فبراير مجموعة جراردو تعززت بقوات قادمة من دبدو وكرسيف التي كانت معسكرة قرب معيريجة وسيدي يوسف، مجتازة سهل طافراطا، ومعروف، لتتصل بهوارة حيث خصصت لها قبائل كعدة دبدو واحمر وبني خلفتان ورجال ارشيدة استقبالا حسنا.
فقط بني بوناصر المهاجمين لنا لم يتخلوا عن مستوى عدائهم من مكان تواجدهم في مرتفعات نيف زيان بعدما قطعوا الواد عائدين للضفة الغربية منه.
قبائل بني وراين وبني عزيز وبني منصور، بقوا هم أيضا محافظين ومتمسكين بمواجهتنا مرابطين حيث هم دون أن يقوموا بأي تحركات معادية.
كانت نتيجة هذه الجولة التي قام بها الكولون في الجهات التي مر منها طيلة ثلاثة أيام جد حسنة، فقد سجلت تأكد القبائل الخاضعة في قدرتنا وقوتنا، وإن كانت لم تقض على الجيوب المقاومة بها، كما أحدثت ثغرة في الضفة الغربية من ملوية عندما كان جراردو يقتحم أراضي بني بويحيى حيث لم يتوقف إلا عندما بلغ منبع واد زا الذي يوجد على مرتفع قربه مركز معسكر بريطو، ومن هناك تعرف على واد الدفلا المتحدث عنه في الاتفاقية الدبلوماسية الفرنسية الإسبانية الراسمة لحدود المنطقة الإسبانية على واد ملوية.
بعد ذلك توجه كولون جراردو لقصبة امسون في الطريق المؤدية لتازة.
وعلى الإجمال فإن احتلال المغرب يمر في ظروف جيدة بالنسبة لجميع تحركاتنا على تخوم البلاد المحتلة من قبلنا، وإن كان الاستسلام والخضوع يتطلب الكثير من الوقت، لأنه لا يتم إلا بعد تجريب السلاح.
الأسابيع الماضية لم تمر كما كنا نريد، فالمصاعب المغربية جعلت التركيز على الوضعية العسكرية التي ترك لها أمر تنظيم الحماية، وتنمية المغرب” (ص191).
العمليات العسكرية في المغرب الشرقي
كان شرق المغرب ميدانا لعمليات عسكرية هامة طيلة الشهر المنصرم، حيث نشطت القوات في التقدم على الضفة اليسرى لنهر ملوية لغاية قصبة امسون.
القوات التي دافعت الحركة المتجمعة في النخيلة على جانب جبل كليز شمال غرب مرادا، والذي أقام فيه الجنرال جراردو لاحقا مركزا يومي 8 و9 أبريل 1913 تركت به قوات من القناصة والمشاة والرشاشات بقيادة الكومندار فالي، وأعطي له اسم ضباط قتل هناك واسمه دورو.
لقد كان من الواضح استحالة عدم مقاومة إنشاء مركز بالنخيلة من قبل بني بويحيى نظرا لأن به نقطة الماء الأساسية بالناحية، وعليه لم تمر أية ليلة دون سماع إطلاق النار على قواتنا، بيد أنه في 19 أبريل توصل الجنرال أليكس المتمركز في مرادا بمعلومات تفيد بأن هناك حشودا تتأهب لمهاجمة مركز النخيلة، فأمر على الفور في الساعة التاسعة ليلا طليعة القوات بالمرور بملوية مكونة من نصف الكوم الجزائريين وفصيلة اصبايحي وسرية من اللفيف محمولة، وسريتين قناصة، وشعبة 80 جبال، تحت قيادة الكولونيل مونسير.
بعد ثلاثة أرباع الساعة خرجت مجموعة أخرى بقيادة الجنرال جراردو تم تشكيلها من مفرزة صبايحي، مفرزة قناصة أفارقة، فوج اللفيف الأجنبي، سرية اللفيف بطارية 75، فصيلة 65، فصيلتي رشاشات، فصيلة كشافات ضوئية، وأخيرا في العاشرة والنصف غادرت المجموعة الثالثة المعسكر السالف ذكره، تحت إمرة الجنرال تريمليت مكونة من مفرزتي اصبايحي سريتي زواوا، سرية رماة، فصيلة رشاشات، بطارية 75، فصيلة 65، إسعاف؛ وقد بلغ مجموع القوات الخارجة حوالي 4500 رجل تحت قيادة الجنرال أليكس.
في الصباح الباكر تم مهاجمة حركة بني بويحيى في سفح جبل كليز حيث تم تحويطهم، وبعد معركة دامت لغاية الواحدة بعد الزوال بدأت مقاومة الأعداء تضعف فأخذوا يفرون نحو الجبال، فتم تدمير معسكرهم تماما بعدما لحقت بهم خسائر هامة، أما نحن فقد فقدنا خمسة قتلى و21 جريحا بينهم ضابطان.
في بداية المعركة حلق قائد سرب الطيران بطائرة فوق ساحة المعركة، وبعد أيام جاءت ثلاث طائرات لميرادا من وجدة استقرت هناك، للقيام بأعمال المسح والمراقبة على المسافة الفاصلة بينهما والمقدرة بـ160 كلم غرب وجدة.
رغم خسائر هزيمة بني بويحيى يوم 20 أبريل صباحا، فقد كانوا بالتأكيد مدعومين بمئات من ثوار لمطالسا، عند مهاجمتهم مرة أخرى معسكر النخيلة، لكن الكشافات الضوئية الشديدة تمكنت من إبعادهم.
شجاعة هؤلاء المقتحمين متميزة، ذلك أن العديد منهم لم يأبهوا بلسع شوك الأسلاك الشائكة وهم يحاولون إزالتها تحت طلقات النيران المصوبة عليهم من قبل المدافعين، وقد عثر في صباح الغد بالمعسكر، على قنابل ضخمة وضعها المقتحمون لتفجير المعسكر، لكنها لم تنفجر، مصنوعة من علب المصبرات المحشوة بالبارود ومتلاشيات الحديد، هذه المتفجرات رماها المقتحمون باليد على المدافعين المتواجدين في الخنادق.
جديد هذه الهجمة أن الجنرال أليكس قاد كولونا جديدا من ميرادا لنخيلة لكن الأعداء انتقلوا للمنطقة الإسبانية فلم يكن هناك فائدة من ذلك التحرك.
بني بويحيى ولمطالسا بدا تأثرهم بعدم جدوى مجهوداتهم في محاربتنا.
في 9 ماي 1913 غادر كل من الجنرالات جيراردو وأليكس وتريمولي مع حوالي 5000 جندي ميرادا نحو مركز الصفصاف الذي أقيم جنوب غرب قاعدتنا في ملوية لمواجهة غياتة وبني وراين، هذا المركز الذي أقيم على عجل والذي ربط بعد أيام قليلة تلفونيا وتلغرافيا بميرادا.
الجنرال أليكس تحرك من جديد لأن مصلحة معلوماته توصلت إلى أن مسألة مسون قد صار بالإمكان احتلالها بعدما تم الاتفاق مع قائدها سي محمد بن علي بن الحسين حول قبول السكان استقبال كولون الجنرال أليكس والشروع حالا في إنشاء مركز مسون، وقد تم الاحتلال يوم 11 ماي دون إطلاق نار مخيف، وكان الاستقبال الشعبي لكولون الجنرال أليكس أقل مما يجب، إثر ذلك انطلقت الأشغال في إقامة مركز مسون.
وكما كان الأمر في النخيلة، كان من المستحيل ألا تكون هناك مقاومة، نيران الإعلام (الإخبار بإشعال النيران عن التأهب للقتال من رؤوس الجبال) أشعلت في قنن الجبال لإشعار القبائل المجاورة بالتأهب لمهاجمة المركز المراد إنشاؤه والهجوم عليه في الليلة نفسها، بيد أن ذلك لم يكن إلا تنبيها، لكن في 13 ماي 1913 في الواحدة صباحا قامت معركة حامية بين المغاربة والمراكز المتقدمة.
المقتحمون حاولوا المباغتة، وأحاطوا بالمجموعة الكبرى للحراسة المكونة من مفرزة رماة، وتم تبادل إطلاق النار من قرب تكبد فيها الأعداء خسارة هامة، بعد ساعتين من المواجهات جاء هجوم ثان للمغاربة لرفع القتلى، تاركين بركا من الدماء بالأماكن التي سقطوا فيها.
لقد كانت عملية ساخنة، كتب عنها مراسل جريدة الطان ما يلي (في الحلقة القادمة).