في ظـلال آية إبراهيم الصغير قوله تعالى:{تبت يدا أبي لهب وتب} سورة المسد1.

قصة الآية:
نزلت هذه الآية في أبي لهب، فبعد أن أمِر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة أهله وعشيرته الأقربين، جمعهم ودعاهم للتصديق بنبوته ورسالته، فقال له أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا دعوتنا؟
ففي الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس قال: لما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين)، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه! فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا محمد. فاجتمعوا إليه. فقال: (يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب!) فاجتمعوا إليه. فقال: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي)؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبا. قال:(فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد). فقال أبو لهب: تبا لك! أما جمعتنا إلا لهذا! ثم قام، فنزلت هذه السورة: تبت يدا أبي لهب.

تفسير الآية:
قال الطبري: قوله: (تبت يدا أبي لهب): دعاء عليه من الله.
وأما قوله: (وتب) فإنه خبر.
قال ابن عطية: وتَبَّتْ معناه: خسرت، والتباب: الخسار والدمار، وأسند ذلك إلى اليدين من حيث اليد موضع الكسب والربح وضم ما يملك، ثم أوجب عليه أنه قد تب أي حتم ذلك عليه.
ففي الآية الكريمة دعاء على أبي لهب، وخبر تحقق مقتضاه.

الدروس والعبر المستفادة من الآية:
1- صدق النبي صلى الله عليه وأمانته، حيث كان يلقبه قومه قبل بعثته بالصادق الأمين، وهو الذي لم يجربوا عليه كذبا صلوات ربي وسلامه عليه.
2- تحمل النبي صلى الله عليه وسلم وصبره على أذى المدعوين، وحتى الأقربين منهم، فهذا عمه أبو لهب، كان شديد العداوة له ولدعوته، هو وامرأته العوراء أم جميل، وهذا أشد مضاضة.
3- إخلاص النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، فهو ينفد أمر ربه ابتغاء مرضاته، ولا يهمه ولا يثنيه اعتراض المعترضين ولا تكذيب المكذبين.
4- الهداية هدايتان: هداية إرشاد وهداية توفيق، (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) القصص 56.
5- زجر أبي لهب وزوجته وتوبيخهما، وتخليد قبيح فعلهما، إلى يوم القيامة، فكل من قرأ القرآن يطلع على صنيعهما بنبينا صلى الله عليه و سلم، و القرآن هنا يعلمنا منطق الرد على أعداء الله المكذبين لنبيه.
6- الترأس في الشر شر كله، فأن يكون الإنسان تابعا في الخير خير له من أن يكون رأسا في الشر، وكون أبي لهب رئيس قومه وزعيمهم لم يغن عنه من عذاب الله، مادام اختار طريقا يخالف طريق الحق.
7- حرمة أذية المؤمن عامة، فكيف إذا كان داعية، ويزداد الأمر خطورة وهو سيد الدعاة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
8- الإسلام لم يولي اهتماما للنسب في مقابل الإيمان والعمل، فكون أبي لهب عما للنبي صلى الله عليه وسلم لم يغن عنه من النار ذات اللهب.
9- مشروعية وجواز الدعاء على الذين يحاربون الدين ويقفون في طريق الدعوة .
10- ونقل ابن كثير في تفسيره قول بعض العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة، فإنه منذ نزل قوله تعالى: {سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد} فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان، لم يقيض لهما أن يؤمنا، ولا واحد منهما لا ظاهرا ولا باطنا، لا مسرا ولا معلنا، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة على النبوة الظاهرة.
11- الاجتماع على محاربة الإسلام ومساندة الظالمين بعضهم لبعض في معارضة رسالته واضطهاد أهله، متمثلا في اصطفاف زوجة أبي لهب في صف زوجها ومعاضدته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *