مُعَلِّمةُ الناس الجهلَ أ.حسن فاضلي أبو الفضل

إذا عدنا إلى حقيقة ما يشبه التمركز حول اللهجة/اللسان الدارج وجدناه غير منحصر في سفاهة من سفه من أهل الوطن، وإنما الامتداد حاصل إلى من أظهر العداء لنور الوحي أو أخفى، وإلى من رغب في مصلحة اقتصاده وكفى، فقد تحقق ذلك في جماعة الضغط الصهيونية التي لا تتكون من عناصر يهودية وحسب وإنما تضم عناصر غير يهودية أيضا، فهي تضم كل أصحاب المصالح الاقتصادية «الذين يرون أن تفتيت العالم العربي والإسلامي يخدم مصالحهم، وأعضاء النخبة السياسية والعسكرية ممن يتبنون وجهة نظرهم»13.
وهذا الذي يتخرص به الرويبضة داخل في تفتيت العالم العربي والإسلامي وبالبرهان بالخُلف لا يتلبس بالتمركز حول اللهجة/اللسان الدارج إلا من ثبت تسفهه كلا أو عداؤه للوحي كلا أو عضوه في جماعة الضغط كلا، أو كل هذا كلا.
وأنا أستغرب كل الغرابة كيف يجُرُّ هؤلاء إلى هذا التفتيت جرا فيما المجلس الثقافي البريطاني يعتبر اللغة العربية لغة ثانية بعد الإسبانية، إذ قال مدير الدراسات الاستراتيجية للمجلس «إذا لم نتصرف لمعالجة هذا النقص في تعلم اللغة العربية وبعض اللغات الشرقية فالأكيد أننا سنخسر الكثير اقتصاديا وثقافيا»14. ولا تفسير لذلك إلا بما فسرناه سابقا.
قلت: إن طبيعة التوجه السياسي والفلسفي لهذا النموذج الاختزالي الذي يطل علينا بقرونه الطويلة هي طبيعة تذهب عادة إلى أن عقل الإنسان كيان سلبي متلقٍ يسجل كل ما ينطبع عليه من معطيات مادية بشكل آلي، ومن ثم فالعلاقة بين العقل والواقع بسيطة يمكن رصدها ببساطة، ومنه فإن دعاة الطرح اللهجاتي (نسبة إلى اللهجة) بمنهجهم الاختزالي هذا اعتصروا كل عوائق عمليات التعلم والتعليم معا في مظاهر اللغة العربية الفصحى -على استضعافها وقهرها جهلا وقصدا من مصممي السياسات والبرامج التعليمية الهزيلة والبئيسة-.
وكأني بهم عقدوا العزم نحو الاتجاه بالتعليم من طبيعته الفكرية والنفسية إلى طبيعة أخرى تستند إلى الصورة المختزلة فقط من اجتماع المجمع، وقد أجزم القول بأن الخرق اتسع في عقول ونفوس هؤلاء، بين الدعوة إلى التنميط الثقافي وبين الدعوة إلى قطع الشعب (أمازيغ وعرب) 15 عن إرثه الثقافي.
«ومعلوم أن هذه الشعوب لا تتشبث بشيء تشبثها بإرثها الثقافي، فإذا أُلْغي هذا الإرث فكأنما أريد بها الهلاك، ومن يشرف على الهلاك لابد وأن يقاوم من أجل البقاء، ولذا فإن هذا التنميط الثقافي يتسبب في ظهور مقاومات شعبية ومجابهات»16عنيفة، بما هو -أي التنميط الثقافي- صورة واحدة من تثقيف النشء، وهذا قطعا يُلغي كل أبعاد الاختلاف والتباعد والتقارب في ذات النشء نفسه، وهو ما يحاوله هؤلاء إذ قصدوا كعادتهم التمركز حول النمط الغربي في التعليم والتثقيف عموما.
الأمر الذي ينتهي بنا -قطعا- إلى الانتحار التعليمي، والمعطيات الرسمية وغير الرسمية في ذلك لا تقبل التكذيب، فالبلد عندنا من أكثر الدول إنفاقا على التعليم في مستوياته الأولية ومع ذلك هو في ذيل الدول من حيث التحصيل المعرفي والبيداغوجي.
والتفسير الوحيد لذلك هو اعتماد نمط الغير في تعليم الذات، والأمر أبعد من ذلك وأشر إذ لو فرضنا -افتراضا يقينيا- أن الجمهور الكوني يسعى في تعميم هذا النمط بتسخير جماجم بشرية تجر إليه جرا بمكرها وجهلها ونقدها -من النقود- بما ييسر على أعداء الإسلام تثبيت الاحتلال الفكري والاقتصادي والعقدي و… واستمراره، لَتَحصَّل في النهاية عكس مرادهم ونقيضه، من تدافع عنيف متطور إلى ما فوق ذلك أو أشد، كما هو جار في طبائع الناس والأمم والشعوب.
ـــــــــــــــــــ
13- اليد الخفية (دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية)، ص246، عبد الوهاب المسيري رحمه الله.
14- ورد ذلك في جريدة الأندبندنت، ونقلت عنها بعض المواقع الإلكترونية.
15- إلا من شذ عن القاعدة، كمن نقصد أساتذتهم بكلامنا ههنا، والشاذ لا يقاس عليه طبعا، خاصة وأنه يهدم الإنسان ويبني محله كائنا آخر غاية في التخلف.
16- الحق الإسلامي في الاختلاف، ص:93، طه عبد الرحمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *