د. بلبشير الحسني*: أشعر أن هناك حاجة أكيدة إلى ثورة في الدراسات الإسلامية حاوره: عثمان ولاد سي حيدة

1- حبذا لو تحدثنا في بداية اللقاء عن مسارك العملي وكيف جاءتك فكرة تأسيس شعبة الدراسات الإسلامية في المغرب؟ في أية سنة تم التأسيس؟

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين. الحديث عن شعبة الدراسات الإسلامية يرجع أساسا الى الموضوع المتعلق بالمنظومة الإسلامية للعلوم وقد جاء القرآن الكريم لسائر البشر وجاء يلح على العقل والعلم ويؤكد بصفة خاصة على البيان والسمع والبصر للقيام بالبحوث في أي موضوع من المواضيع التي خلقها الله تعالى وأشار اليها القرآن الكريم. شعرالمسلمون أنهم في حاجة الى تجديد والى الرجوع الى القرآن والسنة. ولذلك إجابة على هذا التوجه الإسلامي العام فكرنا في إحداث شعبة في الجامعات المغربية أطلقنا عليها شعبة الدراسات الإسلامية والقصد منها هو إخراج الإسلام في الوقت الراهن من عزلته ودخوله في المسار العلمي العالمي. في هذا الإطار حينما تأسست شعبة الدراسات الاسلامية كان القصد ان نتوجه الى الإسلام في حقيقة منهجه العلمي وأن نتجه في نفس الوقت فيما يجري في العالم الآن في مجال البحوث العلمية بناء على التكامل المعرفي. فجمعنا بين الدراسات الاسلامية وبين العلوم الاخرى وبصفة الخاصة مع العلوم التجربية ومع مجال الطب والهندسة وكذلك في مجال الاقتصاد. فاتصلنا بزملائنا في هذه العلوم وأنشأنا معهم جمعية “ملتقى العلوم والمجتمع” وهي تعبر عن هذه النظرة التجديدية للدراسات الاسلامية، حتى أن وزارة التربية الوطنية الآن أخذت فكرة ملتقى العلوم والمجتمع التي بنيت على التكامل المعرفي وجعلتها من أهم برامج الاصلاح الجامعي المرتقب.

بالنسبة لنا في الدراسات الاسلامية سرنا على هذا النهج ولكننا توصلنا الى أن هناك كما كان معروفا ومازال الى حد الآن وهو الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وتعاونا كثيرا مع منظمات دولية في هذا المجال ومع مختلف الجامعات المغربية في الشمال والجنوب.

 

2- ما هي الاكراهات التي واجهت الشعبة في بداياتها؟ وهل لازالت قائمة الى اليوم؟

واجهتنا فعلا اكراهات كثيرة في السبعينات حتى بداية الثمانينات، كان التيار اليساري سواء في أوساط الاساتذة او الطلبة، يبعدنا عن التيار الاسلامي ولذلك وجدنا معارضة قوية داخل كلية الآداب والعلوم الانسانية بجامعة محمد الخامس، معارضة مع الأسف من شعب أخرى وخصوصا من شعب مختصة في العلوم الانسانية والاجتماعية في الكلية. ولكن حينما تبين لزملائنا في العلوم الانسانية والاجتماعية وحتى في العلوم التجريبية وفي مجالات أخرى تبين لنا أن الدراسات الاسلامية في حاجة أكيدة الى أن تساير توجهات العصر بناء على التقدم العلمي والتكنولوجي الحالي ولذلك رجعنا الى شيء ثابت بالنسبة إلينا كمسلمين وبالنسبة لباقي البشرية، وهو القرآن الكريم. فوجدناه يجيبنا على تساؤلات فيما يتعلق بالتكامل المعرفي إالعلمي وحينما بدأنا نبحث فيما تتقدم فيه البحوث العلمية في اللامنتهي في الكبر أي ما يتعلق بالسماوات والأراضي والبحار أي موضوع الفلك، كذلك اللامنتهي في الصغر فيما يتعلق بالذرة ونواة الذرة. وجدنا في القرآن الكريم الذي هو ليس علم رياضيات أو فلك أو هندسة إنما هو توجهات إلهية.

وفي درس افتتاحي يتعلق بمفهوم ملتقى العلوم والمجتمع أشرت الى مسار البحوث العلمية سواء باللامنتهي في الكبر أو في الصغر وقارنت بين ما أشارت اليه بعض الإشارات في القرآن الكريم ووجدنا ان هناك ضرورة لمواصلة تفسير القرآن الكريم في مجال التقدم العلمي والتكنولوجي الحالي.

 

3- متى تأسست شعبة الدراسات الاسلامية، وهل كانت هناك دوافع محفزة لإنشائها؟

ابتدأت في سنة 1980-1981، وحاولنا أن نجعل هذا المسار الجديد بمفهوم الاسلام الشامل، كان القصد أن نجعله في جامعة القرويين، ولكن تبين أنه كانت هناك صعوبات في ذلك لأسباب متعددة ليس المجال للحديث عنها. فتوجهت الأنظار الى انشاء شعبة جديدة للدراسات الاسلامية في جامعة محمد الخامس.

4- هل ترى أن خريجي الشعبة الى حدود الساعة قدموا المنتظر منهم علميا وفكريا وهوياتيا؟

الذي استطيع أن أقوله هو أن مجال الدراسات المتعلقة بالماستر او الدكتوراه به كثير من الأطر العليا منهم المهندسين والأطباء وأصحاب المختبرات، منهم المغاربة ومنهم الأجانب يحضرون الماستر أو الدكتوراه في العلوم الاسلامية وقد بدأت تناقش الآن رسائل الدكتوراه، مثلا حول موضوع الطب. كمثال، طبيبة متخصصة في الجلد حصلت على دكتوراه في الدراسات الاسلامية وجمعت بين ما جاء في القران الكريم عن بعض الآيات بالمفهوم الجديد وبين موضوع الطب. من بين ما ذكرت، أننا نجد في القرآن الكريم، أنه بالنسبة للكفار كلما وصلت النار الى جلودهم فحينما تصل الى الدرجة الثالثة لم يعد الشخص يشعر بألم ولذلك نجد القرآن الكريم يجدد جلد الكافر في جهنم نظرا الى أنه لم يعد الالم حينما تصل درجة الحريق الدرجة الثالثة هذا ما جاءت به الطبيبة.

 

5- هل ترى أن مقررات شعبة الدراسات الاسلامية تواكب التغيرات التي عرفها العالم اليوم، فكريا ومفاهيميا.. أم أنها تحتاج الى تحديث؟

الحقيقة أنه بعد انشاء شعبة الدراسات الاسلامية ظهر أن هناك حاجة الى أن يعاد تفسير القرآن الكريم وتجديده. أي هناك حاجة للتجديد في القرآن والسنة. وهذا التجديد هو الذي نجد كثير من العلماء المسلمين الكبار في الماضي يطلبونه كما كثير من العلماء الراهن يطالبون بعدم التقيد بالأساليب المنهجية القديمة، والتجديد في موضوع فهم الاسلام وتطبيق الاسلام. صحيح أن المتخرج من شعب الدراسات الاسلامية يصعب عليه أن ينطلق في مجالات التكنولوجيا او مجالات الاقتصاد ولكن هذا ميدان من ميادين التخصص في مجالات الدين. لا ينبغي أن ننسى ان الله تعالى في القرآن الكريم يدعو الى العلم والعقل وهو معروف عند عامة الناس.

6- كلمة أخيرة تنصح بها أساتذة وطلبة شعبة الدراسات الاسلامية؟

في كتاب سميته “توظيف القران الكريم واستثماره في تربية النشأ” وفعلا بدأت بعض الجهات في مجال التربية في اتباع ما جاء في هذا الكتاب لأن فيه اختصار للقضايا الكبرى الموجودة في القرآن الكريم. أشرت الى عناوين هذه القضايا الكبرى، أحصيت حوالي 14 موضوع متعلق بالتربية أو الاخلاق أو القيام..، وهناك ملاحق في الكتاب، أهمها التوجه للاساتذة على أساس الموضوعات السابقة مرتبة، حيث هناك ما هو موجه للثانوي وما هو موجه للاعدادي وما هو موجه للابتدائي. وبحوث الثانوية تتعلق بالإعجازات العلمية في القران الكريم.

أما ما يخص طلبة الشعبة، أشعر الآن أن هناك حاجة أكيدة الى ثورة في الدراسات الاسلامية، وهذا التوجه أوضحته في الطبعة الأخيرة لكتابي “الدراسات الاسلامية: الواقع الآفاق والمستقبل”، ورجائي أن تنشأ مؤسسة أو مركز علمي بالكليات كراسي للبحوث القرانية في توجهها الى قضايا البحث العلمي الحديث، وفعلا بالنسبة لكلية الاداب بالرباط اجتمعت منذ أيام قليلة مع زملائي في الشعبة واتفقنا على إحداث كرسي أو مركز لهذه الدراسات يكون هو المنطلق لمواصلة الربط بين العلوم الاسلامية وبين باقي العلوم واللغات الحية سواء الشرقية والعبرية والغربية.

والأمل أن نستطيع أن نصل إلى هذا الهدف لكن متيقن أن فكرة الدراسة الشمولية للاسلام كما نجدها في القرآن الكريم أنها انتشرت في مختلف الجامعات المغربية وإن شاء الله أن تكون فرصة لفهم الإسلام كما يدعو اليه جلالة الملك والحكومة المغربية بالتفاهم. ويكفي أن نذكر بما جاء على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به وولد يدعو له وصدقة جارية”. والعمل في شعبة الدراسات الاسلامية يدخل في باب صدقة جارية وعمل ينتفع به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *