عقوبة الإعدام في الإسلام قراءة في مشروع الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام ذ.طارق الحمودي

بدعوة من الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام؛ انعقد يوم الجمعة 25 يونيو 2011 بالرباط الجمع العام السنوي للائتلاف الدولي ضد عقوبة الإعدام.

ويذكر أن الائتلاف الدولي ضد عقوبة الإعدام تأسس سنة 2002، ويضم في عضويته 120 منظمة غير حكومية دولية وإقليمية ووطنية مثل الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان؛ ومنظمة العفو الدولية؛ والمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي؛ والجمعية الفرنسية “جميعا من أجل إلغاء عقوبة الإعدام”، من بينها.. الائتلاف المغربي ضد عقوبة الإعدام.
ويضم الائتلاف المغربي تسع منظمات حقوقية: وهي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمرصد المغربي للسجون، ومنتدى الحقيقة والإنصاف، ومنظمة العفو الدولية، وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، ومركز حقوق الناس، والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، وجمعية عدالة.
وقد أوضح الأستاذ محمد عبد النبوي أن مشروع الدستور الجديد يكرس في فصله الـ20، توصية هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بالحق في الحياة كأول حقوق لكل إنسان، مؤكدا أن موقف المغرب واضح وماض في اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام بصفة تدريجية على صعيدي التشريع والتطبيق.
ومن جهته، أبرز الأستاذ عبد الرحيم الجامعي، منسق الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، أن الحق في الحياة يشكل نواة الحقوق المتأصلة في الإنسان، وأن عقوبة الإعدام تمثل انتهاكا سافرا للكرامة الإنسانية.
والمثير في الموضوع؛ أنه تزامن مع إصدار المسودة الابتدائية للدستور المغربي الجديد. والمستهجن في مشروع الائتلاف أولا هو هذه الحماسة في محاولة تفسير الفصل العشرين من الدستور “الحق في الحياة”؛ فصاروا يحومون حوله مبتهجين مصفقين مصفرين بأنه منفذ واضح إلى إلغاء عقوبة الإعدام الإسلامية؛ المتعلقة بجريمة القتل مثلا؛ وإن كانت عقوبة الإعدام الشرعية في جرائم أخرى ملغية أصلا كعقوبة الردة والزنا!
وهذه أمور يتحملها القضاة بالدرجة الأولى لا غيرهم.
ليس هذا ما يهمني هنا؛ لكن يهمني بالأساس أن أسلط الضوء على النَّفس العلماني المغربي الذي يعتقد أن الظروف مواتية لرفع مستوى الزفير والشهيق!
أتساءل كثيرا عن سبب هذا الحرص الكبير على إلغاء هذه العقوبة مع أنها شرعا عقوبة للمجرم الذي نص الشرع على مشروعية قتله؛ وكفارة له إن تقبلها تائبا وآمن بها. ودعنا من ما يزعمه كثير من الناس من أنها معارضة لحق الإنسان في الحياة؛ أو كما قال عبد الرحيم الجامعي: “عقوبة الإعدام تمثل انتهاكا سافرا للكرامة الإنسانية”؛ أي أن الإسلام وشرع رب العالمين الحكيم ينتهك بطريقة سافرة الكرامة الإنسانية!!!
يظهرون العطف والإنسانية والشفقة والرأفة على من قتل وزنى وهو محصن بفتيات ونساء المغاربة؛ بل بأطفال وفتيات قاصرات..!
والله تعالى يقول: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
قال مجاهد: (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله)؛ قال: (في إقامة الحد يقام ولا يعطل).
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: (المراد بتعطيل الحد تركه أصلا أو نقصه عددا).
وقال ابن كثير في التفسير: (وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية على إقامة الحد؛ وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد فلا يجوز ذلك) وهذا ما نؤمن به!
وأما المالكية فقال أبو عمر بن عبد البر المالكي في التمهيد: (إنما أريد به أن لا تعطل الحدود وأن لا يأخذ الحكام رأفة على الزناة؛ فيعطلوا حدود الله ولا يحدوهم؛ وهذا قول جماعة أهل التفسير) وفي القتلة أيضا!!
وقال القرطبي المالكي في الجامع: (أي لا تمتنعوا عن إقامة الحدود شفقة على المحدود، وهذا قول جماعة أهل التفسير).
وقال ابن العربي المالكي في أحكام القرآن: (اختلف السلف فيها، فمنهم من قال: (ولا تأخذكم بهما رأفة)؛ فتسقطوا الحد. ومنهم من قال: (ولا تأخذكم بهما رأفة) فتخففوا الحد، وهو عندي محمول عليهما جميعاً، فلا يجوز أن تحمل أحداً رأفة على زان بأن يسقط الحد أو يخففه عنه) أو قاتل!!
أفلا أظهروا الشفقة على كل الشعب المغربي واحترموا حقه في عيش آمن!
قال الشاطبي في الموافقات: (إقامة الحدود والقصاص مشروع لمصلحة الزجر عن الفساد وإن أدى إلى إتلاف النفوس وإهراق الدماء وهو في نفسه مفسدة).
وقال: (وإنما قصد الشارع جلب مصلحة أو درء مفسدة كالقصاص والعقوبات الناشئة عن الأعمال الممنوعة؛ فإنها زجر للفاعل وكف له عن مواقعة مثل ذلك الفعل؛ وعظة لغيره أن يقع في مثله أيضا).
وقال: (إن المصلحة ليست الازدجار فقط بل ثم أمر آخر وهو كونها كفارة؛ لأن الحدود كفارات لأهلها وإن كانت زجرا أيضا على إيقاع المفاسد.. فإن الشارع لم يضع تلك الحدود إلا لتجري المصالح على أقوم سبيل بالنسبة إلى كل أحد في نفسه).
أما ما يردده أولئك.. فهي علمانية صريحة وواضحة؛ ومحاداة لله ورسوله؛ فهل حكم الإعدام في حق من يستحقه كما أمر الشرع انتهاك للإنسانية وكرامته..؟!
محاداة.. لأنه إن كان “من حالت شفاعته دون حد من حدود الله عز وجل فقد ضاد الله في أمره” وفي رواية “فقد ضاد الله في ملكه” كما في روايتين لحديث صحيح.. فما بالك بمن يسعى إلى إزالتها!؟
لست أتحدث عن تفاصيل ذلك؛ وما قد يلوكه أولئك من تلكم الأغنية العلمانية المعروفة؛ مقاصد الشرع وروحه؛ أو السيمفوانية الاستغرابية التي تعزفها أوركسترا المستغربين العرب؛ سيمفونية (تاريخية النص) المقدس! بمعزوفة (الهرمنيوطيقا) كما يقول نصر أبو زيد.
أستحضر هنا قول عمر -كما في صحيح مسلم- وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق؛ وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها؛ فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده؛ فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله؛ وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف) بلا تعليق!
ومن الغرائب والغرائب جمة؛ ولا غريب يصدر من هؤلاء السادة أنهم لم.. لم.. لم.. يحترموا المؤسسات الدينية الرسمية ولا المجلس العلمي الأعلى؛ فلم يستدعوا ولو واحدا منهم على الأقل .. أنها العلمانية!
ونطالب من هنا المجلس العلمي الأعلى أن يصدر بيانا واضحا لا لبس فيه؛ يبين من خلاله موقفه الصريح مما يفعل هؤلاء الذين يتلاعبون بشرائع الله على موائد المنظمات العلمانية العالمية.
فأين هي الخصوصيات والثوابت المغربية أم نسوا الفصل الأول؟!
هؤلاء ينخرون في أسس الحضارة الإسلامية في المغرب؛ ويغامرون بمصيره الثقافي والاقتصادي والاجتماعي؛ فحد يقام في الأرض خير للناس من أن يمطروا ثلاثين أو أربعين صباحا كما في الحديث الصحيح.
وليعلم القارئ أن الإسلام ليس حريصا على إقامة الحد؛ وإن كان القتل يسقط عن الجاني إن تنازل أصحاب الحق وأولياء دم المقتول؛ وليراجع القرآن خصوصا فيما له علاقة بالأعراض وهتكها.
أما ما فيه تعريض للناس للأذية فلا رحمة؛ كما تقول الوزيرة الصقلي دائما في حديثها على السياحة الجنسية بالأطفال في مراكش خاصة!!!
ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *