الحرية والمسؤولية.. أية توافقات وأية مفارقات؟ الحلقة الرابعة الدكتور محمد وراضي

نؤكد -مرة أخرى- أن هدف خديجة الرويسي ورفاقها هو تنميط أعضاء المجتمع المغربي في نموذج قيمي ونهائي بعد عمر طويل! مما يعني إبعادهم عن التنميط في نماذج قديمة إلى تنميطهم في نماذج جديدة. ومتى حصل التنميط كما تسعى إليه المناضلة المحنكة، تصبح القيم التي تدافع عنها مرافقة للمجتمع عبر التاريخ إلى أن يظهر مناضلون مثلها ليقترحوا نماذج أخرى من القيم تناقض القيم التي تدعو إليها الآن.
ومن ضمن من هم على نفس الخط الأيديولوجي لخديجة الرويسي، نجد خديجة الرياضي التي نشعر بأعلى متعة فكرية في التحاور معها ولو من بعيد، عبر بعض من تخريجاتها الإعلامية كترويج منها لما تريد أن يتحقق على أرض الواقع. لأنه لم يكن غير تعبير حر عما لا يصح أن تقف في وجهه أية اعتراضات أخلاقية ودينية وقانونية.
فعندها أن “حقوق الإنسان كونية وشمولية، ولا يمكن أن نقسم بينها أو نجزئ حقوق الإنسان، إذ لا يمكن أن نترك مجالا من المجالات التي تتعلق بحقوق الإنسان إلى فترة أخرى بدعوى أن المجتمع ليس مهيئا، أو بدعوى أن الثقافة السائدة ليست مستعدة لهذا. لأن دورنا كحقوقيين ودورنا كمناضلي حقوق الإنسان، ومناضلات حقوق الإنسان، هو أن نساهم في تغيير هذه الثقافة إلى ثقافة تقبل التعدد، تقبل الاختلاف، تقبل حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها”!
وأول ملاحظاتي على النص تتعلق بالأسلوب الذي صيغ به، فقد وصلني من صديق عن طريق الشبكة العنكبوتية، ولا أدري هل تمت ترجمته من لغة أجنبية إلى اللغة العربية. أم إنه من إنشاء صاحبته بلغة الضاد. وإن كان الأمر هكذا فرسالة الرياضي صعب فهمها كمركب لغوي أولا، وكمضامين ينقصها الوضوح ثانيا.
فقولها: “لايمكن أن نقسم بينها وأن نجزئ حقوق الإنسان” كلام في غاية الركاكة! فأن نقسم -إن قصدت الفعل الثلاثي- معناه نجزئ إلى عدة أقسام قالب حلوى -كمجرد مثال- لكن “أن نقسم بينها” هكذا بهذه العبارة غير مستقيم من حيث الدلالة.
فالقسمة تستدعي وجود المقسوم والمقسوم عليه والقائم بالقسمة. فلو أخذنا عشرة كمقسوم، واثنين كمقسوم عليه. لكان الخارج خمسة، والخمسة كعدد الأجزاء توجد خارج القسمة.
فهل يعني كلام المناضلة دفاعا عن حقوق الإنسان أن تكون هذه الحقوق هي المقسوم؟
وإن كانت الإجابة بالإثبات، فأين المقسوم عليه؟
وهذا هو الخلط الذي لا تميز فيه صاحبته بين طرفي القسمة كطرفين متلازمين، بغض النظر عمن يتولى إنجاز القسمة أو إجراء عمليتها!
فنضطر -كمهتمين بما تريد تبليغه- إلى الوقوف طويلا عند الخطاب الذي وجهته إلى متلقيه عن طواعية بحيث إننا نحاول أن نفهمه كنص يفرض على متناوله اعتماد التأويل بعد إمعان النظر. وأقرب التأويلات إلى الذهن قولنا: “حقوق الإنسان كل لا يتجزأ”.
فحقه في الحرية والكرامة والديمقراطية، كحقه في الشغل والنقل واختيار العشيقة ولو أنه متزوج. واختيار صديق العمر الذي يشاركه الفراش كزوجة له دون ما حرج! بعيدا عن المضي في إحصاء كل هفواتها الإنشائية التي تلزمها استئجار أستاذ اللغة العربية.
ثم إننا لن نناقشها بخصوص ما إذا كان المجتمع مهيئا لقبول الانقلاب في مجال المفاهيم والقيم. هل يتحمله الآن، أم إنه سوف يتحمله بعد حين من الزمن! إنما ما الذي يحدث إن هو قاوم ولم يقبل قيما سلبيتها واضحة لكل ذي عقل؟ ومجتمعنا من منظور آخر يزخر بقيم أخرى ظلامية تصدم العقل. وإلا فما الذي يعنيه شد الرحال إلى أضرحة من يمارسون ألوانا من الطب وهم هالكون؟ أو ليس من برنامج المنظمات الحقوقية التحرك لتحرير العقل المغربي من الوهم والخرافة؟
من جهة تدعو المناضلة الرياضي إلى ثقافة تقبل التعدد، لأن الثقافة الحالية؛ والتي هي موروثة وتقليدية لا تقبله، لكن التاريخ البعيد والقريب لبلدنا يفند هذا الزعم. فضلا عن كون الحاضر الماثل تفنيدا له! بدليل أن المنظمة التي هي على رأسها، والحزب الذي تنتمي إليه، وجهان من وجوه التعدد! إنما هل “تقبل ثقافتنا حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها”؟
سؤال علينا أن نعمل في الباقي من مقالنا هذا الموجز المختصر على إيجاد إجابة موضوعية مناسبة له بعيدا عن التعجرف والانتقائية والتقليد اللامسؤول!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *