الشريعة الإسلامية هي جملة الأوامر والنواهي التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهي تشمل جميع مناحي الحياة، وكما أنها مصلحة لكل زمان ومكان؛ لأنها من قيوم السموات والأرض، فإنها كذلك تتضمن اجتهادات يتصدى لها جهابذة العلماء الربانيين، وليس كل رويبضة مغرور بنفسه.
يقول الشيخ السعدي في تفسيره للآية الكريمة: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}الجاثية18 أي: ثمَّ شرعنا لك شريعةً كاملةً تدعو إلى كلِّ خير، وتنهى عن كل شرٍّ من أمرنا الشرعيِّ، ﴿فاتَّبِعْها﴾؛ فإنَّ في اتِّباعها السعادة الأبديَّة والصلاح والفلاح، ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾؛ أي: الذين تكون أهويتُهم غيرَ تابعةٍ للعلم ولا ماشيةٍ خلفه، وهم كل من خالف شريعةَ الرسول صلى الله عليه وسلم هواه وإرادتُه؛ فإنَّه من أهواء الذين لا يعلمون”.
أما الإمام القرطبي فقال: الشريعة في اللغة : المذهب والملة، ويقال لمشرعة الماء -وهي مورد الشاربة- شريعة؛ ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد.
الشريعة: ما شرع الله لعباده من الدين والجمع الشرائع؛ والشرائع في الدين: المذاهب التي شرعها الله لخلقه.
فمعنى: “جَعَلْنَاك عَلَى شَرِيعَة مِنْ الْأَمْر” أَيْ عَلَى مِنْهَاج وَاضِح مِنْ أَمْر الدِّين يَشْرَع بِك إِلَى الْحَقّ.
قال ابن عباس: “على شريعة” أي على هدي من الأمر.
وقال قتادة: الشريعة الأمر والنهي والحدود والفرائض.
وقال مقاتل: البينة لأنها طريق إلى الحق.
وقال الكلبي: السنة لأنه يسن بطريقة من قبله من الأنبياء.
وقال ابن زيد: الدين لأنه طريق النجاة.
قال ابن العربي: وَالْأَمْر يُرَدّ فِي اللُّغَة بِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدهمَا: بِمَعْنَى الشَّأْن كَقَوْلِهِ: “فَاتَّبَعُوا أَمْر فِرْعَوْن وَمَا أَمْر فِرْعَوْن بِرَشِيدٍ” [هُود:97]. وَالثَّانِي: أَحَد أَقْسَام الْكَلَام الَّذِي يُقَابِلهُ النَّهْي. وَكِلاهُمَا يَصِحّ أَنْ يَكُون مُرَادًا هَاهُنَا; وَتَقْدِيره: ثُمَّ جَعَلْنَاك عَلَى طَرِيقَة مِنْ الدِّين وَهِيَ مِلَّة الْإِسْلَام; كَمَا قَالَ تَعَالَى: “ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْك أَنْ اِتَّبِعْ مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ” [النَّحْل:123]. وَلا خِلاف أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُغَايِر بَيْن الشَّرَائِع فِي التَّوْحِيد وَالْمَكَارِم وَالْمَصَالِح, وَإِنَّمَا خَالَفَ بَيْنهمَا فِي الْفُرُوع حَسْبَمَا عَلَّمَهُ سُبْحَانه”.
أما القانون فهو مجموعة من القواعد والأسس التي تنظم مجتمعًا ما، والتي تتضمن التزامات وحقوقا وعقوبات.
أما الحرية الفردية فيعنون بها إمكانية الفرد، دون أي جبر أو ضغط خارجي، على اتخاذ قرار أو تحديد خيار من عدة إمكانيات موجودة.
يقول إمنويل كانط: “لا أحد يستطيع إلزامي بطريقته كما هو يريد (كما يؤمن هو ويعتقد أن هذا هو الأفضل لي وللآخرين) لأصبح فرحا وسعيدا. كل منا يستطيع البحث عن سعادته وفرحته، بطريقته التي يريد، وكما يبدو له هو نفسه الطريق السليم. شرط أن لا ينسى حرية الآخرين، وحقهم في الشيء ذاته”.
ويقول جون لوك: “الحرية الكاملة هي التحرك ضمن القوانين الطبيعية، وإمكانية اتخاذ القرارات الشخصية، والقرارات بشأن الملكية الخاصة دون قيود، كما يريد الإنسان، ودون أن يطلب هذا الإنسان الحق من أحد، ودون التبعية لإرادات الغير أيضا.
وإذا جاز لنا التكلم بلغة العصر، قصد التواصل، فإن المستنبط من الشريعة الإسلامية يمكن تسميته قوانين، ولو أن الكلمة أصلها يوناني kanun. وتعني لغة عندهم: العصا المستقيمة، أو الخط المستقيم.
لكن بغض النظر عن تعريفات القانون اللغوية والاصطلاحية، نتساءل:
هل القانون مقدس؟ وهل يُحترم بما هو قانون؟ أي هل يُحترم لذاته، أم لمضمونه؟
هنا نصل إلى علاقته بالشريعة الإسلامية وبغيرها، بمعنى أن المحدد في جواب هذه الأسئلة هو المرجعية الفكرية، سواء أكانت إسلامية أم وضعية.
فبنو علمان مثلا، لا يرقبون في القوانين التي يشتمون منها رائحة الإسلام إلا ولا ذمة، ويناضلون من أجل إلغائها، وتعويضها بقوانين يعتبرونها كونية، وهي لا تعدو أن تكون بشرية، تحتمل الخطأ والصواب مهما أعلوا من شأنها، ومهما ادعوا شموليتها التي لا تعدو أن تكون المتوهمة.
هذه القوانين الموسومة بالكونية، هي عندهم مقدسة، يجب عدم الاقتراب منها أو انتقادها، فضلا عن المطالبة بإلغائها وتغييرها.
أما بالنسبة لمن يؤمن بالمشروع الإسلامي، الذي من أركانه الركينة الشريعة الإسلامية، فيرى أن القوانين الوضعية ليست مقدسة، ولا تحترم بما هي كذلك، وإنما يُنظَر إلى مضمونها، هذا المضمون الذي لا يخلو من أن يتأرجح بين الصواب والخطأ، بما هو نتاج بشري، أي أنه لن يكون مقبولا إلا إذا كان صالحا بالفعل للبشر، وبما أن البشر تتفاوت قدراتهم ومصالحهم، فيحق لنا التساؤل عمن هو المؤهل لتحديد ما يصلح لمجموع البشر، وليس لهوى عندهم، أو لفئة أو عرق منهم؟
فالمؤمنون بالمشروع الإسلامي يرون أن المحدد لمصالح الناس الفعلية، وغير المتوهمة، هو الكتاب والسنة اللذان تخضع لهما الشريعة الإسلامية، وبهما تكون مقدسة، لأنها من لدن حكيم خبير.
والدليل على أن اختيارات البشر تجانب الصواب وتخضع للأهواء الفردية، هو ما يسمى بالحرية الفردية، التي ليست في الحقيقة إلا الانفلات من كل الثوابت والقيم والأخلاق بل والقوانين.. إنها العبث. وكأن الفرد يعيش وحده، دون مجتمع من جنسه يحضنه، لأن الناظر إلى أحوال بني علمان يجد أن خيالهم الشهواني تجاوز كل الحدود، ولم يستطع حتى ابن طفيل مجاراتهم فيه، مع حي بن يقظان الذي أرضعته ظبية وعاش في الغابة حرا طليقا، ولم يفكر فيما فكر فيه شهوانيو بني علمان!
والفتوى العلمانية التي تقنن الزنا، وترخصه للثيب والبكر بشرط الرضا ليست منا ببعيد، وهذا يذكرني بما حكاه الشيخ الحويني شفاه الله، عندما كان في ألمانيا، عن قضية فريدة تفرد الحرية الفردية، ملخصها أن زوجا ألمانيا رفع قضية ضد كلب، يقاسمه فراش الزوجية، لأن الزوجة “المحترمة” لا تفارقه -أي الكلب- ولو للحظة، فرام الزوج العدل فيما بينه وبين الكلب، بالالتجاء إلى القانون، فكانت المفاجأة أن حكمت المحكمة من باب حرية الزوجة “الفاضلة”، لصالح “فضيلة” الكلب!
فقارن أخي الكريم بين القوانين البشرية والحرية الفردية، وبين الشريعة الإسلامية!
بل قارن بين الفعل الشنيع الذي اقترفه أحد المغنين في إحدى دورات مهرجان موازين سيئ الذكر، حين كشف عورته أما الجمهور، وكيف كان رد بني علمان من بني جلدتنا على الحدث الفظيع. وبين ما وقع لمغني الأوبرا الروسي يفغيني نكيتين الذي كان من المقرر تقديم عروضه الموسيقية ضمن فعاليات مهرجان بايرويث للموسيقى الكلاسيكية الألمانية، الذي انطلق في 25 يوليوز 2012، والسبب يعود إلى حمله وشما يعكس رموزا نازية، ولو أن الوشم لم يكن واضحا لقدمه، ولأنه كان متواريا خلف أوشمة عدة. لكن عندما كشفت عنه الصحافة الألمانية، اضطر يفغيني نكيتين لإلغاء عروضه، دون أن يفكر أحد في إعادته خوفا من الانتكاسة التي ستصيب المهرجان.
بل إن المغني الروسي اعتذر قائلا: “لم أكن واعيا ببعد الحساسيات والجروح التي يمكن لهذه الرسوم والرموز أن تثيرها، لاسيما في بايرويث ولتاريخ هذا المهرجان”.
إنه احترم ثقافة الذين استضافوه، ولو أن الوشم قديم، ولم يقصد من ورائه الإساءة لمشاعر الألمان كما فعل صاحب العورة في الرباط.
بل لم يتحدث أحد عن حريته الفردية بأن يشم جسده بما شاء، مادام جسده ملكا له، وليس لأحد الحق في أن يتدخل فيه، كما يحلو لبني علمان من بني جلدتنا أن يحتجوا علينا به.
إن مشكلتنا مع بني علمان هو أنهم لم يفهموا بعد أن الغرب حسم أمره مع قناعاته التي تنسجم مع قيمه. أما في بلداننا العربية فالرغبة في استنساخ قناعات الغرب هي ما يجعلنا نفشل في حسم أمرنا تبعا لقيمنا التي تذبح على مقصلة العلمانية ليل نهار، في حين يحتفى بقيم الآخر، ويتم الدفاع عنها بكل قوة. وأوضح مثال على ذلك هو تجاهل إعلامنا الرسمي لحسناء خولالي الفائزة بالمسابقة الدولية للتجويد في كوالا لمبور عاصمة ماليزيا، والاحتفاء منقطع النظير بالقَيْنَة دنيا باطما، وهي فقط مرشحة للهو الحديث في أراب إيدول ليس إلا!