ليس بعد الإغلاق إلا الفتح الدكتور مولاي عمر بنحماد

أين هي الجمعيات الحقوقية؟ أم هي المقاييس عينها والكيل بالمكايل المختلفة. أين دور الإعلام في التعريف بالقضية وبحجم الخسائر وحجم الأضرار المترتبة على إغلاق أكثر من خمسين دارا للقرآن، إلى أين يذهب رواد دور القرآن وبأي نفسية يذهبون؟ لنستحضر صورة طفل وجد ملاده في دار القرآن وكان يمني نفسه بقرب ختم القرآن، وكان أبوه وأمه ينتظران ذلك اليوم السعيد الذي يرشحان للفضل يوم القيامة إذا أتم أبنهما حفظ القرآن كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: “ويوضع على رأسه تاج الوقار ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا فيقولان بم كسينا هذه؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن”.

تأملت أسماء الجمعيات دور القرآن التي شملها قرار الإغلاق غير المبرر وغير المقبول فإذا هي: جمعية الإمام مالك، وجمعية الإمام البخاري، وجمعية الإمام مسلم، وجمعية القاضي عياض وجمعية الحافظ ابن عبد البر، وجمعية الحافظ ابن كثير وجمعية ابن أبي زيد القيرواني..، فوجدتها أسماء لأئمة أعلام أحبهم المسلون في مشارق الأرض ومغاربها، ولم أجد بين الأسماء مثلا ما يزكي التهمة الجاهزة، وما هي بتهمة لو أنصفنا! كأن تسمى جمعية الإمام أحمد بن حنبل، أو جمعية الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعا، والذين اختاروا هذه الأسماء، يعلمون الحساسية المفرطة لكثير من الجهات من بعض الأسماء لأنها تحيل عندهم على أشياء قامت في أذهانهم لا يجدون ما يصدقها في أرض الواقع، ولقد وصل الأمر بالبعض إلى الحديث عن إسلام مغربي، وحينها سنحتاج بلا شك لتغيير الإمام مالك والإمام ورش والإمام الجنيد فليس بينهم مغربي واحد، وكلها مغاربة بمعنى آخر حين يصير المغرب كما هو ولله الحمد جزءا لا يتجزأ من الأمة الإسلامية…
ولو راجعنا قوانين هذه الجمعيات لوجدناها جميعا قامت وفق قانون الحريات العامة.
فهل يعقل أن تقوم جمعيات في ربوع المملكة وفق قانون الحريات العامة كما وقع تعديله وتتميمه، ثم يتم تجديد مكاتب هذه الجمعيات وفق نفس القانون، ويسلم لها وصل الإيداع، وتشتغل في تحفيظ القرآن آناء الليل وأطراف النهار، ويتردد على مقراتها مختلف المسؤولين ومن مختلف الدرجات، ويُحتفى بالمتخرجين منها، فيؤمُّون المصلين في أغلب مساجد المملكة، وأشهرها وعلى رأس القائمة نجد مسجد الحسن الثاني وإمامه المتميز الشيخ عمر القزابري، ويتميزون من بين كثير من حملة القرآن بحسن الحفظ وحسن الأداء، ويصادق على برامج الدروس التي تلقن فيها، ويتم الإعلان عنها بحيث لا يخفى من أمرها شيء، ويتعرض قسم كبير منها للإغلاق بعد أحداث 16 ماي، وتسمع الجارات بالخبر فتحسم أمرها وتعلم أن إغلاقها أهون ألف مرة من إغلاق أو إلغاء أو حجز أو سحب أشياء أخرى يعلمها القاصي والداني، ويتضرر منها القاصي والداني ولا يتجرأ على مسها القاصي والداني!!
وكل هذا جرى ويجري بسبب تفسير آية من كتاب الله مهما كان الموقف من هذا التفسير، لقد كان المثل المغربي “طاحت الصمعة علقوا الحجام” أرحم مما نراه، وإن كان يضرب مثلا دائما للظلم وعدم العدل لأن صيغة المعدلة للمثل والتي تتناسب مع هذا الذي يجري هي: “علقوا الحجام وطيحوا الصمعة”.
لقد كان الحجاج بن يوسف الثقفي رحمه الله يضرب به المثل في البطش والظلم، ويوم همَّ بأخذ بريء بذنب أخيه قال له الرجل: إن أخي خرج مع ابن الأشعت، فضُرِب على اسمي في الديوان ومُنِعت العطاء، وقد هُدِمت داري. فقال الحجاج: أما سمعت قول الشاعر:
ولرب مأخوذ بذنب قربيه ونجا المقارف صاحب الذنب
فقال الرجل: أيها الأمير إني سمعت الله يقول غير هذا، وقول الله أصدق من هذا، قال: وما قال؟ قال: “قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـا إِذاً لَّظَالِمُونَ”، فقال الحجاج لغلامه: يا غلام أعد اسمه في الديوان، وابْنِ داره، وأعطه عطاءه، ومُر مناديا ينادي: “صدق الله وكذب الشاعر”.
هذا في حال وجد الذنب، فما بال الأمر وصل كل هذا الذي نرى ونسمع ولا نعلم له مسوغا، وليقل الدكتور محمد بن عبد الرحمن المغراوي ما شاء أن يقول مما ترجح لديه، وليردّ عليه ردّا علميا من أراد أن يردّ من الأفراد أو المؤسسات، لكن ما بال دور القرآن؟ بأي ذنب تغلق المؤسسات؟ ولها مكاتب ولها تراخيص ولها حضور، والقائمون عليها معروفون..
أين هي الجمعيات الحقوقية؟ أم هي المقاييس عينها والكيل بالمكايل المختلفة. أين دور الإعلام في التعريف بالقضية وبحجم الخسائر وحجم الأضرار المترتبة على إغلاق أكثر من خمسين دارا للقرآن، إلى أين يذهب رواد دور القرآن وبأي نفسية يذهبون؟ لنستحضر صورة طفل وجد ملاده في دار القرآن وكان يمني نفسه بقرب ختم القرآن، وكان أبوه وأمه ينتظران ذلك اليوم السعيد الذي يرشحان للفضل يوم القيامة إذا أتم أبنهما حفظ القرآن كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: “ويوضع على رأسه تاج الوقار ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا فيقولان بم كسينا هذه؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن”.
وإلى أين يذهب كثير من رواد دور القرآن الذين كانوا يغشون حلقات التحفيظ من مختلف الأعمار، وهم يرشحون أنفسهم لشفاعة القرآن لأهله يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه”. ألا إن أحاديث فضل القرآن أكبر من أن يحصرها هذا المقال، وقد علمنا القرآن ألا نترك لليأس بابا يدخل منه علينا، فلذلك نقول مطمئنين ليس بعد الإغلاق إلا الفتح: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *