لماذا اخترنا الملف؟

يعتبر مجال القيم إحدى ساحات الصراع بين مختلف التيارات الفكرية والعقدية، بل من أشرس ساحات الصراع التي تهيأ لها الإمكانيات اللوجيستية والمادية والمعنوية، وقد استهدف المعسكر العلماني بشتى فصائله وتياراته القيم الإسلامية معتمدا أساليب ووسائل مختلفة ومتنوعة، نجملها في: العمل على نشر المدارس الأجنبية التي حاربت كل ما هو أصيل، وكذا الوقوف ضد مدارس التعليم الديني، ثم عمل هذا المعسكر على إضعاف المناهج الشرعية بعدة طرق شتى، منها طريقة وضع المنهج، وطريقة تدريسه، وموقع حصصه في اليوم الدراسي، وتخفيض عدد ساعات هذه المناهج، وفي مرحلة لاحقة عمدوا إلى تعديل هذه المناهج بما يتوافق مع الاتجاهات السائدة. وكذا استحداث الوسائل التعليمية والإعلامية في محاربة التعليم الديني ومحاصرته مادياً بمحاولة تجفيف منابع تمويله، ومعنوياً بفرض القوانين المتماشية مع توجهات هذا المعسكر وسياساته.
ومن الوسائل الأخرى التي ساعدت على محاربة القيم الإسلامية ونشر القيم العلمانية: مدارس الإرساليات التبشيرية، حيث تم استقطاب أبناء طبقات لها وزنها السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المجتمع، كما عمل هذا المعسكر على نشر التعليم المختلط في المدارس والجامعات، بدعم من بعض التوجهات التربوية والحكومية في البلاد العربية والإسلامية.
وحتى تكتمل دائرة محاربة القيم فقد ظهرت الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية وبثت سمومها في شتى الأماكن بعد أن اعتمدت على سياسية مخاطبة الغرائز مما ساهم في شرخ بين القيم والواقع اليومي.
ولعلنا لن نأتي بجديد إن قلنا أن مجال القيم ساحة من ساحات الصراع، لدرجة أن الدكتور المهدي لمنجرة في كتابه “قيمة القيم”، جعل طبيعة النزاعات التي ستحكم العالم مستقبلا مرتبطة بالمنظومة القيمية للشعوب والثقافات، وكيف تتعامل دول العالم العربي والإسلامي مع منظومة القيم، وكيف توظفها دول الشمال في حروبها، وهو كلام قديم للمؤلف طرحه منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقد بدأت ملامحه وسماته تبرز وتتضح لكافة شرائح ومستويات المجتمع، بعد المخاض الذي تعيشه أمتنا.
لأجل ذلك؛ ومساهمة في هذا السجال الدائر؛ ومحاولة منا لوضع لبنة في صرح قيمنا الذي يوشك أن ينهار؛ ودفعا منا لعجلة قيمنا لجعلها تتبوء مكانتها الريادية التي تستحقها، كان هذا الملف عن صراع القيم.

مصطفى محمد الحسناوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *