رصد مظاهر الديانة الإبراهيمية الجديدة في الوطن العربي الاسلامي عبد الصمد إيشن

ما يحدث بالفعل هو عملية غسيل مخ للنشأ؛ بغرض إعداد أجيال تُقبل على اعتناق الديانة الإبراهيمية الجديدة عند طرحها في المستقبل القريب على أنها الدين العام العالمي. وعندئذِ، تتحول المراكز البحثية إلى أماكن ومزارات مقدسة تحل محل المعبد والكنيسة والجامع..

 

مشروع الديانة الإبراهيمية الجديدة ليس مزحة أو تسويق لنظرية المؤامرة، بل هو استراتيجية ناعمة وممأسسة إعلامياً وفكرياً وسياسياً وإدارياً على مستوى العواصم الغربية، حيث تتبنى مشروع الدين الابراهيمي ذريعة وتدعمه بإغراءات اقتصادية واهمة.

ويبقى بالغرض من هذه الاستراتيجية هو اختراق الشعب العربي والإسلامي من خلال اختراق عقيدته التي هي بوصلة اتجاهه بمختلف القضايا، واختطاف الإسلام بنزع قدسيته وقدسية مقدساته لصالح السردية التوراتية التي إن شملت فلسطين فستشمل كل الوطن العربي، وإن شملت الأقصى ستشمل الكعبة، وإن شملت الحرم الإبراهيمي ستشمل الحرمين.

ولفهم معالم وآليات اشتغال أصحاب هذه الاستراتيجية المدمرة، لابد من رصد مظاهرها في عالمنا العربي والإسلامي.

وفي هذا الصدد، يظهر جليا أن تداول مصطلح “الإبراهيمية”، انطلق مع توقيع الإمارات والبحرين اتفاق تطبيع مع الكيان الصهيوني في سبتمبر العام الماضي.

الاتفاق، الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها حينها دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشنير، يسمى “الاتفاق الإبراهيمي”.

وفي نص إعلان الاتفاق، المنشور على صفحة وزارة الخارجية الأمريكية، يرد ما يلي: “نحن نشجع جهود دعم الحوار بين الثقافات والأديان للدفع بثقافة سلام بين الديانات الإبراهيمية الثلاث والإنسانية جمعاء”.

هذه الفقرة، هي منطلق ومركز مبادرات كثيرة صاحبت اتفاق التطبيع وتبعته، فتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني لم يكن صفقة سياسية أو اقتصادية بحتة وإنما انعكس على جوانب ثقافية في حياة كل الأطراف.

وهكذا بدأ الحديث عن التسامح والتواصل والحوار بين البلدان والشعوب والملل والأديان ليتحول فيما بعد إلى حديث عما يعرف بـ”الديانة الإبراهيمية الموحدة”.

وقد كان هذا الارتباط بين مشروع الديانة الإبراهيمية والتطبيع مع إسرائيل سببا لرفض المعارضين للتطبيع للمشروع الديني الجديد، حتى قبل أن تتكشف تفاصيله الكاملة.

دولة أخرى اتهمها رواد مواقع التواصل الاجتماعي المتفاعلون مع الأمر بالترويج للديانة الإبراهيمية الجديدة هي الإمارات، التي وقعت على اتفاق التطبيع مع الكيان المحتل وبدأت بالفعل في تفعيل تبادل معه في مختلف المجالات، منها الثقافية، وشهد المشهد الديني فيها تغيرا يلائم علاقتها الجديدة مع “إسرائيل”.

نسجل أيضا أنه في عام 2014 أنشأت الإمارات “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة”، برئاسة رئيس مجلس الإفتاء الشرعي الشيخ عبد الله بن بيه، ويُعقد المنتدى بصفة دورية في الشهر الأخير من كل عام.

ولم يكتفِ بن بيه برئاسته للمنتدى، بل شارك في “ملتقى المبادرة الإبراهيمية” الذي نظمته الخارجية الأمريكية، في 3 دجنبر 2020، وخلال كلمة له في الملتقى قال بن بيه: “إن ميثاق حلف الفضول الجديد الذي أصَّلته العائلة الإبراهيمية في 2019 في أبوظبي، يمكن أن يشكل مرجعية دينية قوية لهذه الانطلاقة الجديدة”.

وفي النسخة السادسة من منتدى السلم، الذي عُقد في أبوظبي، في الفترة بين 9 و11 دجنبر 2019، أطلقت الإمارات “ميثاق حلف الفضول الجديد”، الذي وقَّع عليه العديد من القيادات الدينية من اليهود والمسلمين والمسيحيين.

وفي 9 فبراير 2021، أعلنت الإمارات على لسان سفيرها في روسيا، محمد أحمد الجابر، أنها ستفتتح “بيت العائلة الإبراهيمية” خلال العام 2022، وأنه سيصبح مكانا للتعلم والحوار والعبادة، وسيركز على التقريب بين جميع الأديان.

كما أنشأ القائمون على “الديانة الإبراهيمية الجديدة” مراكز بحثية ضخمة وغامضة، انتشرت مؤخراً في ربوع العالم، وأطلقت على نفسها اسم “مراكز الدبلوماسية الروحية”.

أخذت “مراكز الدبلوماسية الروحية” التي تعمل في إطار نشر المحبة والتسامح على عاتقها مهمة دعوة كبار العلماء في الأديان الإبراهيمية الثلاث، من أجل إيجاد قيم عامة مشتركة بين الأديان، مثل: المحبة، والتسامح، المساواة، والتعايش، وتقبل الآخر، إلى غيرها من القيم الحميدة. ثم تشرع في بثها وخاصة بين الأجيال الجديدة من أجل غرس كره خفي للأديان التي يتبعونها، وخلق ميل إزاء اعتناق الدين الإبراهيمي الجديد.

ولقد بدأت، بالفعل، “مراكز الدبلوماسية الروحية” في تنفيذ مخططاتها على نطاق واسع. وبما أن النشأ موضوع على رأس الفئات المستهدفة، قامت تلك المراكز بتوزيع كتيبات تنطوي على مجموعة من القيم السامية على المدارس الدولية (والمعروفة باسم المدارس الإنترناشيونال)، والتي تشتهر برفضها لتدريس مادة الدين، وبدلاً منه تحرص على تدريس مجموعة من القيم العامة تعطى للطلاب في شكل كتيبات تغطي قيم الدين الإبراهيمي الجديد.

فما يحدث بالفعل هو عملية غسيل مخ للنشأ؛ بغرض إعداد أجيال تُقبل على اعتناق الديانة الإبراهيمية الجديدة عند طرحها في المستقبل القريب على أنها الدين العام العالمي. وعندئذِ، تتحول المراكز البحثية إلى أماكن ومزارات مقدسة تحل محل المعبد والكنيسة والجامع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *