هل هذه هي الحرية التي نتوق إليها؟! نبيل غزال

لم تكن التصريحات التي أدلت بها كل من خديجة الرياضي وعبد الصمد الديالمي مؤخرا في الندوة التي أقامتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لتأسيس الجمعية أولى الخرجات الإعلامية لأصحاب هذا التيار المتطرف بخصوص هذا الموضوع؛ حيث سبق أن طالبوا بهذه المطالب وما هو أعلى منها سقفا وأشد خطرا.
وحتى لا يظن أحد أن هذا الكلام سيق من باب المبالغة أو التهويل؛ سنورد جملة من تصريحات بعض الجمعيات والكتاب والباحثين الذين يتزعمون هذا التيار؛ كي نبصِّر الرأي العام بأهدافهم وما يسعون إلى تحقيقه على أرض الواقع؛ وبكنه المشروع الحداثي الذي يبشروننا به.
هذا المشروع الذي من حقنا أن نتساءل عن كنهه؟
وعن إفرازاته وتجلياته على الساحة الوطنية؟
وهل ينبع من ذاتنا وهويتنا وقيمنا؟
أم أنه تسويق لمشروع غربي إمبريالي يسعى إلى عولمة قيمه وأفكاره وبسط هيمنته ونفوذه؟
وهل هدف هذا المشروع هو ضمان حقوق الأفراد والجماعات ونقل التجربة الغربية في مجال البحث العلمي والتكنولوجي وتطوير الكفاءات والمهارات ودعم التكوين الذي يضمن للفرد مسايرة المستجدات الإقليمية والدولية؟
أم أن حدوده تنتهي عند حرية المعتقد والمطالبة بمعاقرة الخمور والزنا والشذوذ.. والنيل من الإسلام وشعائره؟!
وللإجابة عن كل هاته الأسئلة سنفسح المجال لبعض متزعمي هذا التيار الحادث والدخيل كي يكشفوا لنا -وبكل جلاء- عن هذا المشروع الذي يطمحون إليه.
فقد طالبت (مجموعة نداء الحريات): بـ”منظومة أخلاق جديدة قائمة على الحرية الفردية التي لا تتقيد بقيد شرعي أو قانوني، وتمكين أي أحد من اختياره غير الأخلاقي أو اللاقانوني، من أجل الدفع بعجلة المغرب الحداثي..!!”.
أما الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (في شخص رئيستها خديجة الرياضي): فتدعو دوما إلى “فصل الدين عن الدولة، وسموِّ المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على القوانين الداخلية للبلاد”.
وبإلغاء “الفصل 389 من القانون الجنائي الذي يعاقب بالسجن الممارسة الجنسية المثلية باعتبار أنه إذا كانت بين راشدين تدخل في إطار الاختيارات الشخصية والحريات الفردية”.
وصرحت بمساندتها ودعمها للإفطار العلني في رمضان واعتبرت أن “هؤلاء الشباب الذين يطالبون بالسماح بالإفطار العلني في رمضان هذا مطلب نعتبره مطلبا حقوقيا يدخل أيضا في إطار الحريات الفردية؛ ولم ندعمهم فقط في حقهم في المطالبة بتغيير القانون وبتغيير الفصل؛ ولكن أيضا دعمناهم حتى في المطلب في حد ذاته؛ باعتبار أن الفصل 222 من القانون الجنائي أيضا من القوانين المجحفة في مجال الحريات الفردية بشكل عام”.
وأعربت أمينة بوعياش رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في تصريح لجريدة المساء بخصوص الشواذ؛ أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الناس.. الذين لهم تركيبة فيزيولوجية خاصة، وهم أيضا لهم حقوق وواجبات. كما أن المرجعية الحقوقية العالمية تعطي الحق لهؤلاء في أن يكونوا متواجدين وأن يعرف الجميع ميولاتهم. اهـ
وأكد بيت الحكمة (في شخص رئيسها خديجة الرويسي؛ عضو حزب الأصالة والمعاصرة): على “المطالبة بإلغاء القوانين التي تعتبر أن الخمر لا يباع إلا للأجانب، أو التي يعاقب بموجبها مواطنون مغاربة على شرب الخمر أو اقتنائها، وتبني الموقف القانوني من الخمر في الدول الغربية غير المسلمة”..
أما عبد الصمد الديالمي (الباحث الجنساني): فاعتبر أنه “يجب أن نعيش تحررا جنسيا، لا قيود على الجنس، لأنه أكبر القيم التي نعيش من أجل تحقيقها، وهو أساس العلاقات والتواصل، ووضع القيود عليه سيشكل إكراها لتحقيق الذات، والمجتمع المغربي يعيش ذلك في الخفاء، ويحتاج أن يعلنه للجميع..”.
وشدد العلماني أحمد عصيد: أنه “من حق أي مغربي أراد أن يرتد عن الإسلام ويختار دينا جديدا من تمتيعه بهذا الحق، لأننا لا نمارس الوصاية على أحد، والإسلام ليس هو الدين الوحيد الذي ينبغي أن يتبع، ولا دين مقدس حتى يستحيل تغييره ورفض شرائعه”!!
فهم يطالبون علانية بحرية الردة والشذوذ والزنا ومعاقرة الخمور والإفطار العلني في شهر رمضان.. وبمنظومة أخلاق لا تتقيد بقيد شرعي أو قانوني؛ أو بالأحرى فهم يطالبون بالعودة إلى مجتمع الغاب.
هذا هو المشروع الحداثي الذي يسعون إلى ترسيمه؛ ضاربين بعرض الحائط كل الآثار السلبية لهذه المطالب؛ وصَامّين آذانهم عن صرخات وأنين الغرب جراء ما جناه من التسيب الأخلاقي والانحراف السلوكي الذي يستنزف ميزانيته ويهدد بقاءه.
إننا حين نمعن النظر وندقق في فحوى ومضمون مطالب هذه الجمعيات والجهات؛ ندرك دون عناء أن هذه الفئة أصحاب عقول مستعمرة لم يستطيعوا حتى الساعة التخلص من الاحتلال الغربي لعقولهم؛ وأنهم حين يعبرون أو يصرحون فلا يصدرون إلا عن الحقوق الكونية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ الذي وَضعَ مواده الثلاثين الإنسانُ الغربي سنة 1948؛ وبالضبط حين كان يحتل بلادنا ويقتل أجدادنا ويستنزف ثرواتنا وينهب خيراتنا؛ ولم يستشر الإنسان الغربي -صاحب الأنا المتضخم- حين وضعه لبنود هذا الإعلان -الذي يدافع عنه العلمانيون باستماتة غريبة- أحدا ممن كان يعتبرهم بربرا وهمجا وإرهابيين!!
فرغم تشدق العلمانيين بالتحرر من كل أيديولوجية ومؤثرات خارجية أو مسبقة؛ فحقيقة أمرهم أنهم أصحاب تبعية عمياء وتقليد جامد للتراث الغربي؛ ولا علاقة لهم البتة بتراث الأمة اللهم إلا في الأسماء التي يحملونها ونسبهم العائلي.
ومشروعهم الحداثي المقنع بالدفاع عن الحقوق هدفه التمكين لدول الاستبداد وصبغ مجتمعاتنا بقيم الدول الإمبريالية؛ وقطع صلة المجتمع بثقافته وهويته؛ وفصل السماء عن الأرض؛ وعولمة نموذج وحيد وفريد وهو النموذج الغربي.
على اعتبار أننا مع الاستفادة من النموذج الغربي فيما يخص مجالات الصناعة والبحث العلمي والتطور التكنولوجي وفنون الإدارة والتسيير وغيرها من المجالات؛ لكننا ضد أن نستورد قيمه الاجتماعية ومنظومة أخلاقه المنحطة التي أثبتت فشلها؛ وشهد بذلك مفكرو ومنظرو الغرب أنفسهم.
وقد يتساءل أحد فيقول بكل صراحة ووضوح:
ما الذي يريده منا العلمانيون؟
ولماذا يكابدون كل هذا العناء؟
فنقول؛ أن الذي دلت عليه كتاباتهم وتصريحاتهم ومواقفهم.. وباختصار مشاريعهم؛ أنهم يريدون تكرار التجربة الأوربية وما صنعته العلمانية في القارة العجوز؛ حين قتلت الدين وعزلته عن الحياة.
فلا اهتمام للفئة العلمانية بنقل المفيد والإيجابي من المجتمعات والدول الغربية؛ من بحث علمي وتطور تكنولوجي وتقنيات ومهارات وتنظيم وإدارة؛ تعود بالنفع على الأمة ولا تمس قيمها وهويتها. فشغلهم الشاغل هو محاصرة الدين وعزله عن الحياة؛ والإجهاز على ما تبقى من تشريعات تستمد من الوحي؛ وفك أي ارتباط يصل الشعب بدينه وقيمه.
إن الدول الامبريالية لم تغادر بلادنا إلا بعد أن ثبتت ترسانة قانونية تضمن إقصاء الدين من العديد مجالات الحياة (السياسية والاقتصاد والاجتماعية والتشريعية..)؛ وخلفت وراءها رعايا أوفياء تسلحوا باللادينية وحملوا فأس نقض التراث ليهدموا وينسفوا ما تبقى من قيم وسلوك اجتماعي مستمد من الشريعة الإسلامية.
وهم عازمون على المضي قدما في ترسيم هذا المشروع؛ وهو ما يستلزم من المصلحين وعيا عميقا بأهداف العلمانيين، وتركيز الجهود وتكاثف القوى للوقوف في وجه هذا المد المدعوم من الخارج؛ الذي يريد بنا العودة إلى مجتمع الغاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *