قصة دور القرآن.. مع حزب الجرار نبيل غزال

قصة حزب الأصالة والمعاصرة مع دور القرآن الكريم والدكتور محمد المغراوي؛ رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة؛ بالذات ليست قصة جديدة؛ إذ للحزب الذي طفا فجأة وبقدرة قادر على الساحة السياسية صولات وجولات مع السلفيين ودور القرآن الكريم والدعاة والعاملين بها.
فحزب الأصالة والمعاصرة الذي يصفه بعض المتتبعين بنادي اللائكيين؛ لكونه يضم بين جنباته جل الاستئصاليين ذوي النزعة العلمانية؛ الذين غيروا جلدتهم وتنكروا لولائهم السياسي والأيديولوجي؛ وتحولوا بين عشية وضحاها من المعسكر الماركسي الشيوعي إلى المعسكر الليبرالي؛ اتخذ في بداية أمره من (حركة لكل الديمقراطيين) نواة له، وأعلن عن تأسيس الحزب الجديد في 9 غشت 2008، بعد أن أذاب خمسة أحزاب صغيرة وضمها إليه لتقوي وجوده وتعزز موقفه.
ولم يكن الحزب الجديد لينجح في اكتساح المجال السياسي ويطيح بديناصورات الأحزاب الكبرى المتزعمة؛ ويحقق بعد 10 أشهر فقط على تأسيسه انتصارا كبيرا في الانتخابات الجماعية في 2009، ويشكل رفقة حزب التجمع الوطني للأحرار أكبر فريق في مجلس النواب بـ80 عضوا من أصل 325، ويزاحم ندا لند حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، لولا الدعم الكبير لفؤاد عالي الهمة؛ وجو الفساد الذي كان يخيم على المجال السياسي والحقوقي والإعلامي…
فبموازاة استعمال السلطة والأعيان واستغلال والنفوذ، عمل الحزب الجديد على حشد الإعلام المرتزق لتسويق مشروعه وإثبات وجوده والنيل من خصومه، وتوظيف بعض الجمعيات الحقوقية للدفاع عن مبادئه وفق أيدولوجيته، فكانت جمعية (بيت الحكمة) التي تترأسها خديجة الرويسي -رئيسة لجنة الأخلاقيات في حزب الأصالة والمعاصرة- الجناح الحقوقي الذي يخدم أجندة الحزب بامتياز.
وكما قلت في بداية المقال فالحرب التي يشنها حزب الأصالة والمعاصرة ضد دور القرآن قديمة، أطلق شرارتها الأولى عدد من الأفراد الحاليين في الحزب؛ وأعلن إلياس العماري قبل تشكيل الحزب في أكثر من مناسبة بأنه حل في الحقل السياسي لمحاربة ما أسماه “المد الوهابي” أي السلفي.
وبعد صدور القرار الجائر بإغلاق قرابة 70 دارا للقرآن الكريم في مجموع التراب الوطني بدعوى صلتها بالدكتور المغراوي وبما عرف آنذاك بزواج الصغيرة، تقدمت مجموعة من الفرق النيابة في البرلمان بأسئلة شفوية حول قرار الإغلاق.
ووصف أحمد التهامي عن فريق الأصالة والمعاصرة فكر رواد دور القرآن الكريم آنذاك بـ(الفكر المتطرف والمتخلف)، واعتبر النائب البرلماني وضع دور القرآن وضعا شاذا غير مقبول لا أخلاقيا ولا قانونيا!!!
وعلقت جريدة الأحداث في عددها رقم:3553/أكتوبر 2008م على مواقف كل من فريق الأصالة والمعاصرة وفريق الاستقلال وفريق العدالة والتنمية، بقولها: “فيما فضل الفريق الاستقلالي بمجلس النواب عدم التعبير عن موقف سياسي إزاء إغلاق مصالح وزارة الداخلية لدور القرآن؛ حرص فريق الأصالة والمعاصرة على التعبير عن موقف حداثي وحازم ومؤيد للموقف الرسمي من هذه المسألة وهو ما كاد يكلفهم هجوم فريق العدالة والتنمية الذي عبر عن موقف محافظ”.
هكذا سوق الإعلام المرتزق للحزب الحاكم الجديد؛ بنعت كيده واستئصاله بـ(الموقف الحداثي الحازم)! ليتضح جليا للرأي العام الوطني كيف وُظِّف الإعلام العلماني المغرض للنيل من مؤسسات بعيدة كل البعد عن المجال السياسي؛ وكيف عشش الفساد -ولازال- داخل أحزاب ومقاولات إعلامية وحقوقية؛ وظفت لمحاربة الحركات الإسلامية عامة والسلفية منها على وجه الخصوص.
وبعد الربيع العربي وما أعقبه من حراك وتغيرات كبرى؛ وخسارة حزب الجرار في الانتخابات التشريعية والجزئية الأخيرة بمراكش وطنجة؛ بدا الكائن الجديد الذي زرع قسرا في الجسم السياسي عصيا عن الاندماج بعيدا عن هموم الناس؛ وأصبح أعضاؤه يخبطون خبط عشواء كالتائهين في الظلام؛ لا يحملون مشروعا سياسيا واضحا يقنعون به القوى الحية في المجتمع والشرائح الانتخابية؛ سوى خلق الفرقعات الإعلامية والمعارضة البائسة الباردة تحت قبة البرلمان؛ فلا هَمَّ لأعضاء الحزب سوى توظيف ملف الحريات الفردية واستغلاله ضد الحكومة؛ وسبّ أبناء الوطن الشرفاء ونعتهم بـ(الشلح الذي يبيع الزريعة) والأحزاب السياسية المشكلة للحكومة بأنها (تسعى إلى محاولة تحويل حكومة حزب إلى دولة حزب)..
فمباشرة بعد الهزيمة التي مني بها حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات الجزئية في مراكش وطنجة اتهم إلياس العماري؛ خلال تدخله في الدورة الرابعة عشرة للمجلس الوطني للحزب المنعقدة في الصخيرات؛ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أنها جندت المساجد ودور القرآن وبعض المدارس الدينية لدعم مرشحي العدالة والتنمية في الانتخابات الجزئية؛ وتساءل هل أصبحت الوزارة الوصية على تدبير الشأن الديني والدفاع عن إمارة المؤمنين جزء من مخطط يستهدف المغرب؟
وأعقبه بعد فترة وجيزة برلماني من الحزب نفسه؛ خلال مناقشة قانون الميزانية وهو محمد المهدي الكنسوسي؛ اتهم فيها بشكل مباشر الدكتور محمد المغراوي؛ ووصفه بـ”الإرهابي”، وجمعيته بالحزب السري المضلل الذي اتخذ مدينة مراكش قاعدة له، مضيفا أن هناك متطرفين دينيا لا علاقة لهم بمؤسسات المغرب ولا بمبادئ الدولة، يحرضون الناس على محاربة السياحة، ويجهرون بأنها تشجع الإباحية، ويخوفون الأجانب”.
وإذا كان بعض أفراد “البام” قد حاولوا إمساك العصا من الوسط؛ والعمل بالقاعدة المعروفة (من لم تستطع أن تجعله حليفا فاعمل على جعله محايدا ولا تجعله عدوا)، حيث أجرى كل من عمدة مدينة مراكش فاطمة الزهراء المنصوري ومصطفى الباكوري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة لقاء مع الدكتور المغراوي؛ قبيل الانتخابات الجزئية الأخيرة في مراكش، خاطبين ودَّه وطالبين دعمه، ومعبِّرَيْنِ عن احترامهم لشخصهِ وما يقدمه من خدمات للوطن وللساكنة المراكشية، إلا أن أفراد آخرين لازالت تحكمهم النزعة الاستئصالية القديمة ورمي الأبرياء بالتهمة التي صنعها جهاز الاستخبارات الأمريكية وكررها ببغاوات الإعلام والسياسة دون فهم أو إدراك؛ حتى صار كل المسلمين المدافعين عن هويتهم ودينهم من سنغافورة إلى نواكشط عند أتباع التيار العلماني إرهابيون وهابيون متطرفون..
فلم يجد كلا من العماري والكنسوسي ما يبرران به فشلهما السياسي خير من نظرية المؤامرة، واتهام المغراوي وأتباعه وخطباء ووعاظ الأوقاف بالعمل على إفشال حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات الأخيرة.
إن الكتلة الانتخابية الضخمة التي يشكلها التيار السلفي في أغلب مدن المملكة ليست لقمة سائغة لأي حزب كان؛ سواء حزب العدالة والتنمية أو غيره، والسلفيون يوم كانوا يعرضون عن السياسة ودرنها كانوا يعرضون عن الخوض فيها بناء على قواعد شرعية ومصالح مرعية؛ ولكون العلماء المؤطرين لهذه الدعوة كانوا موقنين بأن أصوات الناخبين لن تغير من النتيجة المحسومة سلفا؛ أما وقد تأكدوا بأن صوتهم صار مسموعا وأن لعبة الصناديق صارت تتصف بنوع من النزاهة والشفافية، فإن السلفيين سيدلون -بناء على قاعدة المصلحة والمفسدة- بصوتهم بكل تأكيد لمن يحمل مشروعا سياسيا واضحا ينطلق من ثوابت الأمة ويخدم مصالح العباد والبلاد.
وإذا ما أراد حزب الأصالة والمعاصرة أن يستفيد من قوة السلفيين الانتخابية فما عليه إلا أن يعيد النظر مليا في مشروعه السياسي وخلفيته الأيديولوجية ومحاربة الحزب للعلماء والدعاة والجمعيات العاملة في الحقل الدعوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *