إن مجتمعنا الإسلامي –للأسف الشديد- يعيش بصفة عامة حالة من الاضطراب والضياع والفوضى العارمة والخروج عن الطريقة السوية والفطرة النقية، ويتمثل ذلك في مظاهر متعددة من أقبحها وأشنعها: العري الفاضح، والتبرج الفتان.
هتكت المرأة المسلمة المتبرجة في الغالب –بذلك- حرمات الله تعالى، وتبرجت وصاحبت الشوارع..، “لا ترد يد لامس!”، تخالل من الرجال من تشاء! تحللت من الاخلاق الفاضلة، فكشفت عن محاسنها ومفاتنها، ولبست (الميني جيب، والسراويل الضيقة..)، تستعرض حجم جسدها بل أبرزت تفاصيله، وتفننت –بعماية- بالملابس الفاتنة المثيرة والمساحيق والأصباغ، فخرجت كالعروس في خدرها عارية وهي كاسية! تغشى مختلف الأندية والمعامل والمراقص والشواطئ.. فملأت الأرجاء شنارا، والقلوب نارا.
وجملة أسباب هذا الحال الحقير والواقع المرير:
1 – ضعف الإيمان وعدم الخوف من الله تعالى
فالمرأة إذا لم تلبس لباس التقوى فإنها تصبح مهيئة للتمادي في طريق العري الجسدي والمعنوي معا.
ولذلك تصدى التشريع الحكيم للعري الجسدي والنفسي في سياق واحد وجعل صلاح هذا الأخير خيرا لأنه الأصل فقال تعالى: “يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ”.
2- المفاهيم الخاطئة، ومن ذلك اعتقاد أن التبرج والعري حرية وتمدن، فصور أعداء المرأة المسلمة لها العفاف والستر قيودا على الحرية والانطلاق!!
وقدموا لها الإغراءات الدنيوية المثيرة، والزخارف الفانية لصرفها عن الحشمة والوقار.
فعجيب أن تختزل حرية المرأة في حرية الجسد: العري والتبرج!!
مع أن الحرية الحقة أن تكسر المرأة أغلال العبودية لشهوات النفس البهيمية وترفع راية العفة والكرامة وقديما قالت العرب: “تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها”، فالإسلام قد أعطى للناس الحرية لكن قيدها بالفضيلة حتى لا تنحرف وبالحق حتى لا تنزلق مع الهوى.
3- التقليد الأعمى
قد أولع النساء في زماننا هذا بالتقليد إلى حد الجنون فقلدن المنحلات في أخلاقهن من نساء الغرب، والممثلات اللاتي لا همَّ لهنّ إلا إبراز مفاتنهن، وتفاصيل أجسادهن.
وصدق النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: “لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم، فقيل يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟” متفق عليه.
4- الاستخراب (الاحتلال) الغاشم
بحيث جلب هذا الأخير للديار المسلمة النساء الكاسيات العاريات ومسارحه ومراقصه وملاهيه وجرائده ورواياته وخياله وعبثه ومجونه وأباحوا فيها الجرائم وزينوا للناس عامة وللنساء خاصة هذه الدنيا الصاخبة العابثة التي تعج وتطفح بالفجور والفحش والعري والتبرج.
5- وسائل الإعلام بمختلف أشكالها
فقد عمد أعداء الفضيلة لتسخيرها في مآربهم الدنيئة ومن أهم ذلك إخراج اللؤلؤة المكنونة وإلقاؤها في مستنقع الرذيلة، وعمدوا إلى مسخ هوية المرأة المسلمة وتغريبها وتحريرها من الأحكام الشرعية وجعلها جسدا عاريا من كل خلق ودين وشرف وعفة وستر.
احذري أختاه أن تأذني لإنسانيتك أن تتردى في درك البهيمية، والنزول عن شرف الخطاب الإلهي في قوله تعالى : “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ”.
لقد كان نساء الجاهلية إذا خرجن من بيوتهن كشفن عن محاسنهن، مثل النحر والعنق والصدر فيعرض لهن الفساق فنزل أمر الله تعالى للمرأة المسلمة بإرخاء جلبابها وستر زينتها.
فهل تبرج نسائنا المسلمات في زمننا هذا هو تبرج النساء الجاهليات؟ أم زدن على ذلك فحشا وعريا وقبحا ومنكرات؟
يقول الله تعالى: “يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى”.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: “هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك..
وقوله: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) أي: الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة..
وقوله تعالى: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) قال مجاهد: كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال، فذلك تبرج الجاهلية.
وقال قتادة: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) يقول: إذا خرجتن من بيوتكن -وكانت لهن مشية وتكسر وتغنُّج- فنهى الله عن ذلك.
وقال مقاتل بن حيان: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) والتبرج: أنها تلقي الخمار على رأسها، ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها، وذلك التبرج، ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج” 5/451.
وقال عليه الصلاة والسلام: “صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخث المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا” صحيح الجامع.
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: “أراد صلى الله عليه وسلم النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر فهن كاسيات بالاسم، وعاريات في الحقيقة” شرح الزرقاني على الموطأ 4/271.
وقال المازري رحمه الله: “فيه ثلاثة أوجه: ..أو كاسيات لبعض أجسادهن، عاريات لبعضه إظهارا للجمال، أو لابسات ثيابا رقاقا تصف ما تحتها..” نفسه.
وفي المؤتمر السابع لرابطة علماء المغرب، المنعقد في جمادى الثانية عام 1399، صدرت عن المؤتمر توصيات عديدة منها:
“يستنكر التردي الخلقي والانحلال والإباحية، التي آل إليها أمر مجتمعنا بسبب الاختلاط الأهوج، الذي يبتعد عن الآداب الإسلامية والعفة، ويتخذ الاختلاط منطلقا له في الثانويات والجامعات وجمعيات الشباب وغيرها، ويطالب بعلاج ذلك بما يلي: التخفيف من الاختلاط ما أمكن في المؤسسات التعليمية، عدم السماح به في الإدارات والمكاتب، في الحافلات ووسائل النقل، في مراكز التدريب المهني، في المخيمات والمسابح والشواطئ، منع لبس (التبان) للفتيات أثناء مزاولة التدريبات الرياضة. تخصيص مدربات للرياضة البدنية للبنات، بدل المدربين، في مؤسسات التربية الوطنية والشبيبة والرياضة، محاربة التبرج والأزياء المثيرة، والمحددة الكاشفة، والالتزام بثياب: الحشمة والوقار، منع حفلات (الشيخات) الماجنة التي يختلط فيها الرجال بالنساء، وإبقاء الحفلات على طابعها المغربي المتعارف، الذي يتحاشى الاختلاط في تلك المناسبات…” جريدة الميثاق الصادرة عن رابطة علماء المغرب عدد 297 بتاريخ: 15 رجب عام 1399.