ففي وقت لم تجف فيه بعد دماء الضحايا الأبرياء في العراق وأفغنستان وفلسطين.. ووقوف الولايات المتحدة الأمريكية في وجه أي قرار يدين الكيان الصهيوني، نجد أن الولايات المتحدة تستخدم نفوذها وسطوتها في اتجاه معاكس مع دولة عربية مسلمة هي السودان؛ حيث تضغط ليس فقط من أجل توجيه لوم أو عتاب، ولا من أجل مناشدة لتطبيق قرارات “مجلس الأمن؟”، بل في سبيل فرض عقوبات بموجب (الفصل السابع).
في مطلع الثمانينيات، تسربت من “إسرائيل” أنباء عما يسمى بـ (مشروع إنشاء دويلات طائفية) في منطقة الشرق الأوسط، ذلك المشروع الذي أذيعت بعض تفاصيله حينها، بما يكشف عن عزم دولة اليهود بالتواطئ مع الدول الغربية العمل على إيجاد واقع جديد من التشرذم في المنطقة، يقوم على أساس تقسيم الدول المسلمة الكبرى القابلة للتقسيم الطائفي (المذهبي أو الديني أو القبلي) إلى دول طائفية، وهذا بالطبع سيفتح أبواباً من الصراعات والنزاعات التي لا تنتهي، والتي ستعمل على الإضعاف الدائم لتلك الدول، بما يسمح لأصحاب المشروع باستثمار هذه الأوضاع لصالحهم في المنطقة.
ومما ذكر وقتها من ملامح ذلك المشروع: سعي تلك الدول الغربية إلى تقسيم العراق إلى كيانات طائفية متعددة (سنة شيعة أكراد)، والسعي إلى تكريس الطائفية في لبنان وتحويلها إلى كيانات منفصلة، وكذلك الشأن في كل من اليمن التي يمكن أن يستغل التنازع القبلي فيها، ومصر التي يتطلع الأقباط فيها للاستقلال بجنوب مصر وغربها، وذلك كله لتحقيق أمن الربيبة “إسرائيل”.
وكان السودان من ضمن الدول التي أشار المخطط إليها على أنها قابلة للتقسيم الطائفي على أساس الدين، وأن المساعي ستجري لتقسيمه إلى قسمين أو ثلاثة بين الطوائف المسلمة في الشمال والنصرانية والوثنية في الجنوب.
إن الأطماع المادية والضغينة والحنق على الإسلام والرغبة العنيفة لإقصائه هي أهم أهداف تلك الحملة الصليبية على المنطقة، إنها تدرك أنه لو نفذ الإسلام إلى تلك المناطق فإن ذلك مدعاة لانتشاره في كامل القرن الإفريقي ومنابع النيل ومنطقة البحيرات، وهي مناطق استراتيجية مهمة ومفصل حركة القارة ومعابر حاملات النفط، وهذه ميادين لا مساومة فيها؛ ومن ثم سعت الدول الغربية إلى نفي كل أثر يتعلق به من الجنوب.
لقد كتب اللورد “كتشنر” عام 1982م قائلاً: “ليس من شك في أن الدين الإسلامي يلقى ترحيباً حاراً من أهالي هذه البلاد فإذا لم تقبض القوى النصرانية على ناصية الأمر في إفريقيا فأعتقد أن العرب سيخطون هذه الخطوة، وسيصبح لهم مركز في وسط القارة يستطيعون منه طرد كافة التأثيرات الحضارية إلى الساحل، وستقع البلاد في هذه العبودية” (السودان في عهد الحكم الثنائي، لبيب رزق، ص 209).
ويشرح القس “أرشيد كون شو” الأمر فيقول عام 1909م: “إن لم يتم تغيير هذه القبائل السوداء في السنوات القليلة القادمة فإنهم سيصيرون محمديين؛ إذْ هذه المنطقة منطقة استراتيجية لأغراض التبشير، إنها تمتد في منطقة شرق إفريقيا في منتصف الطريق بين القاهرة والكاب”، ثم يقول: “إن كانت الكنيسة في حاجة إلى مكان لإيوائها فهو هنا لصد انتشار الإسلام، والقضاء على تعاليم النبي الزائف”.
ومن أجل بيان وكشف المؤامرة على بلد السودان المسلم وتوضيح معالمها أمام القراء كان هذا الملف؟