واقع يؤلم كل مهموم، ويؤرق كل محزون، وقائع هنا وهناك تغطي ربوع الوطن، تتفاوت في حجم بشاعتها، بقدر الفراغ الروحي الجاثم في قلب مرتكبي الجرائم. مرتكبوها ليسوا بالضرورة أميون لا يعون القراءة والكتابة، بل هناك شواهد وشواهد عليا، لكنها أمية أخرى يشترك فيها كل هؤلاء؛ أمية الدين والعقيدة والأخلاق والقيم.
جرائم لا تسيل فيها الدماء فحسب، بل تغتصب فيها الكرامة، ويختلس فيها الشرف، ويختطف الأمن، وتضيع فيها الحقوق وتنتهك فيها الحرمات…. وما عاد ينفع عد الخسائر وإحصاء الكوارث الأخلاقية والسلوكية والقيمية، لكن السؤال الذي لا ينتهي وإن انتهى النفس، إلى أين المصير؟ إلى متى ننام ونستيقظ على ما يقض المضاجع، ويبث الرعب في النفوس؟…
واقع لا يرتفع مهما بالغ المغالطون، ومهما مدحنا القريب والبعيد، فأهل الدار أدرى بشعابها، وشغبها، وأدوائها، وليس من رأى كمن سمعا، و(ولهلا يورينا أكثر).
فرغم شعارات التنمية، والأوراش المفتوحة، وقصائد الغزل، يبقى العنصر البشري أبعد ما يكون عن تنمية روحية إيمانية صادقة، هذه الأخيرة هي التي تجعل لكل تنمية عمرانية معنى وقيمة، وإلا فالخراب مصيرها، إذ لا ينفع إقامة البنيان وإصلاحه دون إصلاح من سيعمر البنيان.
لكن المحير في كل هذا هو التضييق على كل من يريد إصلاح الإنسان الذي هو أساس إصلاح العمران، فيمنع المصلحون الصادقون أصحاب الكلمة المؤثرة والدمعة الخالصة، الذين إن تكلموا فتح الله لهم القلوب وأصغت لهم الآذان، وخشعت لكلامهم الأفئدة.
فالوقت أوجب لفتح المجال لهؤلاء عوض محاربتهم والتنكيل بهم عن طريق التشويه والعرقلة والتهجير. فالذي لا يتطرق إليه الشك أن هذا الإنسان لن يصلح حاله إلا دعوة صادقة وموعظة بليغة تربط الناس بربهم قبل كل شيء، حتى إذا صلحت هذه العلاقة، صلح بعدها كل شيء فعم الأمن والرخاء واستقامت الحياة، وارتاح البال. وهلم جرا مما فقدته الأمة الإسلامية اليوم خصوصا، والإنسانية عموما.
فلم تحارب الجمعيات الدعوية؟ ولم تحارب دور القرآن؟ ولم يمنع الدعاة الصادقون؟ لمن تتركون هذا الشباب الضائع لسماسرة التخريب من مروجي المخدرات وحبوب الهلوسة والخمور، ومشجعي الدعارة والزنا، وبرامج الغناء والمنكرات ومزيني العنف والإجرام ووو؟
أقول هذا الكلام وأنأ أرى مستقبلا مخيفا قادما تتلبد سماؤه بالرعب والخوف والفوضى، لأنها نتيجة حتمية لتنحية شرع رب العالمين من واقع حياة الناس، أقول هذا وأنا اشعر أني أصرخ في بئر وأصيح في واد، لأن هذا الواقع هناك من يعمل بالليل والنهار ليكون أسوأ مما هو عليه.
لكن لهم أقول وقول ربنا حق وهو لا يخلف الميعاد حين قال في محكم التنزيل” ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله”، وقوله عز وجل: “إنما بغيكم على أنفسكم”.
من الغريب المحير أن تستعين أمريكا بالوعاظ المسلمين لتستريح من خطر المجرمين الذين يجعلهم الإسلام في منتهى الهدوء والوقار، بعدما كانوا ينشرون الرعب في الربوع. بينما في بلاد المسلمين هذا آخر شيء يمكن التفكير فيه. رغم أن الفوضى في كل مكان، في الملاعب، في الأسواق، في المحطات، في الحدائق والمنتزهات، في المدارس والجامعات والمعاهد، في البر والبحر….
هذا رغم الجلبة والضجيج والغبار المتطاير عن إصلاح الدين وجحافل المرشدين والمرشدات، وملايير الانفاق على الشأن الديني. لكن هناك شيء ما ليس على ما يرام. وكلنا سنؤدي الثمن، شعبا ووطنا، فاللهم لطفك الخفي.