حينما يتأمل المرء في برامج الدولة التربوية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، لابد أن يتساءل: هل نحن في نظر الدولة من خلال برامجها شعب لاديني؟
اجتهاد العلمانيين في عزل المجتمع عن دينه
لا يفتر العلمانيون المتنفِّذون في البلاد يبرمجون ويخططون خارج إطار الشرعية الإسلامية التي ينتمي إليها هذا البلد، ويسعون بكل ما أوتوا من قوة للتأثير في المجتمع وتغييب الدين عن كل مناحي الحياة، صغيرها وكبيرها دقيقها وجليلها، حتى يُستأصل الإسلام من قلوب المسلمين ويبدو في أعينهم كوحش مخيف مقيِّد لحريات الناس يحول دون انطلاقهم نحو الحياة بكل تفتح وتحرر خال من أية قيود.
إن المتأمل في مشاريع الدولة وبرامجها يرى أنها تعامِل الشعب كأنه لا ديني ولا علاقة له بالإسلام فكيف ذلك؟!
المرجعية والواقع طلاق مفروض
مما لا شك فيه أننا شعب مسلم بالتاريخ والجغرافيا، والإسلام هو الدين الرسمي للبلد بالدستور ومرجعية الأمة المغربية هي الإسلام، هذا ما تسطر في الأوراق الرسمية، وترسخ في عقولنا واقتنعت به أفكارنا، لكن حقيقة الفعل الحاصل على أرض الواقع بكل تجلياته يعبر بنفسه عن الاستهتار بدين ثلاثين مليون مسلم أو أكثر.
فتعالوا إلى أرض الواقع لتروا التناقض الصارخ والطلاق البائن بين ما هو مسطر وما هو مفعَّل.
فالقانون المغربي يمنع المسلمين المغاربة من المتاجرة في الخمر وشربها، بينما شريحة كبيرة منهم تشربه على مرأى ومسمع من الجميع.
..القانون المغربي يمنع نشر الصور الخليعة ومعظم الجرائد والمجلات والقنوات الإعلامية واللوحات الإشهارية تطفح بوابل من هذه الصور المهيجة للغريزة الجنسية.
..القوانين المالية والجبائية مبني من أساسه على المعاملات الرِّبوية، والقائمة تطول.
إنه أمر يجعل المرء الذي لا يعرف عن المغرب إلا حاضره يظن أن ما قيل آنفا من اعتبار الإسلام الدين الرسمي للبلد والمرجعية العليا للأمة إنما هو عن شعب انقرض ولم يعد له أثر في الوجود.
واقعنا بنظرة عابرة يقول لك إن تجليات الإسلام في هذا البلد تراث ولَّى بقيت له أطلال، غير أن رياح الإيمان والحمد لله بدأت توقظ العيون النائمة، وتحرك القلوب الغافلة، وتبعث النور من جديد رغم ما يكيد الأعداء.
لقد كان من اللازم على الدولة وهي تتبنى الإسلام رسميا أن تكون برامجها خادمة للإسلام ومشجعة للمسلمين على أن يتمسكوا بدينهم للخلاص من رياح التغريب العاتية، وحفاظا على الهوية من الهاوية ولكن وا أسفاه! فخذ أي ظاهرة مرضية ـ وما أكثرها في المجتمع الذي قلنا إن مرجعيته إسلاميةـ عالجتها الدولة وأي مشروع تنموي طرحته على أرض الواقع وأي مقاربة تنموية، وانظر ما مدى اعتماد المرجعية الإسلامية التي يتشدق بها في بعض الأحيان لغرض من الأغراض، ففي كل ذلك لا تكاد تعثر على شيء من هذا إن لم تجد شيئا. فلا شيء يربطك ولو بخيط من الأوهام ويجعلك تشعر بأن دينك حاضر في حل مشاكلك وتقويم اعوجاجك، ولو بنسبة ذر الرماد في العيون.
برامج تغيب الإسلام وتتبنى غيره
هذا ديدن المسئولين عن قيمنا ومبادئنا ففي كل خطوات المعالجة أو مراحل التنمية يغيبون الإسلام كلية، وكأن هذا الشعب ليس مسلما ولا دين له لكن ويا للحسرة! ففي مقابل ذلك يستوردون حلولا عن قوم لا دين لهم أو أهل دين محرف، ومع ذلك يتبنونها بغباء في الإسقاط و جفاء للإسلام. ولذلك لم تحل مشاكل المجتمع على كثرة الحلول المستوردة لكون البذر غير البذر والتربة غير التربة، وهكذا تتمادى الدولة أو جهات نافذة في احتقار الإسلام والمسلمين من خلال معالجة القضايا بنظريات غربية ليبرالية أو شرقية شيوعية إلحادية محضة.
وبالتحديد نضرب مثالا ببرنامج تعرضه القناة الأولى المغربية يقال له “أسر وحلول” ومن تابع حلقات هذا البرنامج يخلص إلى النتيجة التي صدرنا بها المقال، ويحكم على البرنامج بأنه في حدِّ ذاته مشكل يحتاج إلى حل بدء بمن يقدمه والذي يفتقد إلى مهارة التقديم، وختاما بالضيوف الذين يحلقون بأفكارهم خارج المكان الذي يوجدون به والأرضية التي ينطلقون منها.
فكل القضايا التي عالجها هذا البرنامج والتي تيسر لي متابعة أجزاء منها -لأقف على مهازلها- تنحو نفس المنحى اللهم في برنامج تتعلق بقضايا الإرث، فقد تم استضافة فقيه ليقول ما يريدون، ولو استطاعوا أن يغيبوه لفعلوا.
في هذا البرنامج وأمثاله الكلمة الفصل للأطباء النفسانيين ورجال القانون وعلماء الاجتماع الغارقين في نظريات فلسفية مادية من أمثال “داروين” و”فرويد” و”هيكل” و”ديكارت”… وكأننا فقدنا من قومنا من يحل لنا المشاكل انطلاقا من مرجعية الكتاب والسنة المنزلة من رب العباد “أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ”.
برنامج تحلق فيه مقدمته في سماجة لتستنجد بقصص من عالم الخيال أبدعها قوم لا علاقة لهم بالإسلام لتجد لنا الحلول هناك ولكن هيهات، هيهات.
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء على ظهورها محمول
ولمزيد من التوضيح وحتى لا يتطرق لما قلنا أي اعتراض تم تناول موضوع في غاية الخطورة في حلقة من الحلقات، ولا يوجد له حل إلا في الإسلام ولا شيء غير الإسلام، و لكن انظروا ما كان صنيعهم مع هذا الأمر احتقارا لهذا الشعب المسلم رغما عنه، فقد كان الموضوع “الإدمان على الخمر وخطره على المجتمع” وقد عمدوا إلى أخذ أراء الشارع، وحرصوا على أن لا يمرِّروا أي تصريح يتطرق لحكم الإسلام وكيف عالج القضية لا من قريب ولا من بعيد، ونحن موقنون أنه من المواطنين من تكلم عن حكم الشرع في الخمر، ولكن مقص الرقيب كما يقولون تدخل بقوة ليجرد الأمر من أي صبغة شرعية، حقدا وبغضا.
بل إن ضيوف البرنامج لم يكن فيهم عالم شرعي والمغرب حافل بعلماء الشرع، وأما الضيوف الحاضرون كأنما أخذوا تحذيرا قبل البدء أن لا يذكروا كلمة الإسلام على لسان أحدهم، وأن يتكلم من منطلق مشاكل اجتماعية حلولها عند الطبيب والفيلسوف.. ولا يضرنا ذلك إذا عرفنا من يتحكم في هذا الجهاز فالأمر لا يخفى على لبيب.
صمت رهيب متى ينتهي؟
إن المسؤولين عن وسائل الإعلام يحتقرون ديننا ويئدون مرجعيتنا ويعتبروننا لا دينيين أو يسعون لكي نكون كذلك، فإلى متى يتم التمادي في هذا الباطل. أحيانا تعييهم نظرياتهم الفاشلة في معالجة بعض القضايا فيعودون مكرهين على استحياء إلى الإسلام لينقذهم من ورطتهم، كما هو الشأن بالنسبة لمعضلة حوادث السير والحرائق في الغابات مثلا…
إنها مهزلة ينبغي أن تنتهي في دولة يحكمها الإسلام على مدار خمسة عشر قرنا، ينبغي أن يعود الإسلام إلى تفاصيل الحياة في بلد أمير المومنين، والمجالس العلمية، والرابطة المحمدية، والصروح التعليمية، وجحافل العلماء، هل كل هذا للزينة والبهرجة، أم للمباهات والافتخار.
ينبغي أن يصرخ العلماء وتقف المؤسسات الشرعية في وجه الباطل الذي يلتهم ما تبقى من ديننا فإن لم يتكلم العلماء فمن يتكلم، وإن لم ينتفض العلماء من أجل هذا الدين فسلام على المرسلين والحمد لله رب العامين، لكننا نقول أن الخير لن يعدم في هذه الأمة و الله من وراء القصد.