(والذين يمسّكون بالكتاب)
من الآيات التي تحدد منهج المسلم في هذه الحياة، وترسم طريقه إلى الآخرة ما جاء في قوله سبحانه: {والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين} (الأعراف:170) نقف مع هذه الآية إحدى عشرة وقفة، نستجلي ما فيها من إرشادات وإفادات:
ومعنى (التمسك) به: الإذعان لأحكامه، والدعوة لهذا الإذعان، والعمل به مخلصين غير متحايلين لتركه، وإلقاء المعاذير عند ترك العمل به.
قال السعدي: “يتمسكون به علماً وعملاً؛ فيعلمون ما فيه من الأحكام والأخبار، التي عِلْمها أشرف العلوم، ويعملون بما فيها من الأوامر، التي هي قرة العيون، وسرور القلوب، وأفراح الأرواح، وصلاح الدنيا والآخرة. ومن أعظم ما يجب التمسك به من المأمورات، إقامة الصلاة، ظاهراً وباطناً، ولهذا خصها الله بالذكر لفضلها، وشرفها، وكونها ميزان الإيمان، وإقامتها داعية لإقامة غيرها من العبادات”.
وذكر سبحانه جزاء الممسكين بالكتاب، والمقيمين الصلاة بطريق الاقتضاء، فوصف ذاته العلية بأنه لا يضيع أجر المصلحين، وقد أصلحوا فاستحقوا أجره الذي لا يضيعه أبداً، فهو إعطاء مع ذكر داعيه.
وفي الآية إظهار في موضع الإضمار، مصرح بقوله: {المصلحين} بدل قوله: (لا يضيع أجرهم) وذلك لأمرين؛ أولهما: للدلالة على أن ذلك شأن من شؤون الله العلي الأعلى. ثانيهما: الإظهار للإشارة إلى السبب في الجزاء، وهو الإصلاح، أي: كونهم مصلحين.
وقد أفادت الآية أن من ينفذ منهج القرآن لا يلقى الهوان أبداً {فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} (البقرة:256) ومن وجَّه نيته في أن يفعل الخير والصلاح يعطيه الله العون والسداد والثبات.
كما دلت الآية الكريمة على وعيد المعرض عن الكتاب، ووعد من تمسك به؛ تنبيهاً للمسلم وتحذيراً عن سلوك طريقتهم. كما دلت أيضاً على أن الاستغفار باللسان، وتمني المغفرة لا ينفع حتى يكون معهما التوبة والعمل.