حق الله جل وعلا و رسوله صلى الله عليه و سلم

ميز الله في كتابه بين حقه الخاص وحق رسوله الخاص والحق المشترك.
وعلم بذلك أن الحقوق ثلاثة:
حق لله وحده، لا يكون لغيره: وهو عبادته وحده لا شريك له بجميع أنواع العبادات.
وحق خاص لرسوله صلى الله عليه وسلم: وهو التعزير والتوقير والقيام بحقه اللائق واتباعه والاقتداء به.
وحق مشترك: وهو الإيمان بالله ورسوله وطاعة الله وطاعة رسوله ومحبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر الله الحقوق الثلاثة في آيات كثيرة من القرآن، فأما حقه الخاص: فكل آية فيها الأمر بعبادته وإخلاص العمل له، والترهيب من ضد ذلك، وهذا شيء لا يحصى.
وقد جمع الله ذلك في قوله في سورة الفتح: “لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ”، فهذا مشترك “وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ”، فهذا خاص بالرسول “وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً”، [الفتح: 9]، فهذا حق لله وحده.
قال السعدي في تفسيره للآية: “قوله: “لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ” أي: بسبب دعوة الرسول لكم، وتعليمه لكم ما ينفعكم، أرسلناه لتقوموا بالإيمان بالله ورسوله، المستلزم ذلك لطاعتهما في جميع الأمور.
( وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ) أي: تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه أي: تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم، (وَتُسَبِّحُوهُ) أي: تسبحوا لله (بُكْرَةً وَأَصِيلا) أول النهار وآخره، فذكر الله في هذه الآية الحق المشترك بين الله وبين رسوله، وهو الإيمان بهما، والمختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير، والمختص بالله، وهو التسبيح له والتقديس بصلاة أو غيرها.”
وقوله: “وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ”، في آيات كثيرة.
وكذلك: “آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ”.
وكذلك قوله في سورة التوبة: “وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوه” [التوبة:62].
قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية: “(وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ) لأن المؤمن لا يقدم شيئا على رضا ربه ورضا رسوله، فدل هذا على انتفاء إيمانهم حيث قدموا رضا غير اللّه ورسوله”.
وقوله تعالى: {سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ}، فهذا مشترك {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 59]، وهذا مختص بالله تعالى.
قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية: “(سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) أي: متضرعون في جلب منافعنا، ودفع مضارنا، لسلموا من النفاق ولهدوا إلى الإيمان والأحوال العالية”.
ولكن ينبغي أن يعرف العبد أن الحق المشترك ليس معناه أن ما لله منه يثبت لرسوله مثله ونظيره في كل خصائصه، بل المحبة والإيمان والطاعة لله لابد أن يصحبها التعبد والتعظيم لله والخضوع رغبة ورهبة.
وأما المتعلق بالرسول من ذلك: فإنه حب في الله، وطاعة لله فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله بل حق الرسول على أمته من حق الله تعالى عليهم، فيقوم المؤمن بحق رسوله وطاعته امتثالاً لأمر الله، وعبودية له.
وإنما قيل له حق الرسول، لتعلقه بالرسول، وإلا فجميع ما أمر الله به وحث عليه من القيام بحقوق رسوله، وحقوق الوالدين والأولاد والأزواج والأقارب والجيران والعلماء والولاة والأمراء، والكبير على الصغير والصغير على الكبير وغيرهم، كله حق لله تعالى، فيقوم به العبد امتثالا لأمر الله وتعبداً له، وقياماً بحق ذي الحق، وإحساناً إليه، إلا الرسول فإن الإحسان منه كله إلى أمته فما وصل إليهم خير إلا على يديه صلى الله عليه وسلم تسليماً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *