مختصر “النداء إلى كافة السادات العلماء” للعلامة محمد كنوني المذكوري رحمه الله(1)

“{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}، {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} الخ .

أيها الإخوان العلماء، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته تعمكم وترعاكم، هذا نداء من الله جلت قدرته، فهل من مجيب؟ هناك أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فهل من مستمع؟ وهناك صوت الإسلام مستغيث فهل من مغيث؟ وأجيال شباب الإسلام تتلاطم بها أمواج الكفر والإلحاد، فهل من منقذ؟ وهذه عقيدة المسلمين اعتراها الخلل والفساد فهل من مصلح؟ وهذه أحكام القرآن وأحاديث الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام قد ابتلعتها القوانين، فهل من ناصر؟ وهذه لغته السامية قد ضايقتها اللغات الأجنبية فهل من مخلص؟
إنكم أيها العلماء الكرام، أنتم المكلفون بحماية الشريعة الإسلامية والدفاع عنها والذب عن جميع ما يمس ديننا الحنيف وعقيدته وأخلاقه وعوائده وأعرافه المأخوذة منه، وإلا فمن هم؟
إن الله تعالى جعلكم حملة شريعته واختاركم لتكونوا خلفاء رسله عليهم السلام لتبليغ ذلك إلى عباده، ولاسيما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله وحده، كما قال سبحانه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}، فتأملوا رحمكم الله مفهوم الآية الكريمة، فإنه تتحقق لكم النتيجة المهولة ، وتأملوا كذلك قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ}، الخ.
إنكم أيها السادات العلماء، رجاء هذه الأمة -بعد الله- ونورها الوهاج الذي يزيل الظلمات ويبدد الشكوك والإشكالات ويدفع عنها الضيم ويرد عنها الكائدين ومكر الماكرين، وإلا فمن هم؟
فلتنفضوا غبار الخمول عن عقولكم النيرة، واستيقظوا من هذا النوم الثقيل الذي أضر بكم وبدينكم وبواطنكم وبأخلاقكم التي اكتسحتها هذه الأفكار الطفيلية أو كادت، والتي غزت كل مدينة وكل قرية وبادية، بل وانتزعت من بين أحضاننا أغلى وأعز ما لدينا، وهم أفلاذ أكبادنا الذين قال الله تعالى فيهم: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، ومنهم طبعا أولاد العلماء أنفسهم.
فأخبروني بحق الله عليكم أي خلف يبقى بعدكم إذا ما لبيتم نداء الله بالرحيل إلى الأخرى؟
إن دام هذا ولم يحدث له غير…..لم يبك ميت ولم يفرح بمولود
بل هناك ينقطع الإتصال ويقع الانفصال بين السلف والخلف بذهاب الدين وقبضه بقبضكم..، وهناك تكون الفاجعة الكبرى والخسران المبين.. حيث لا عذر ولا جواب، إذا سألكم سبحانه عن ما ترتب على سلوككم وسكوتكم بأنكم قد ضيعتم أمانة الله المنوطة بكم..
إننا نعرف كثيرا من الإخوان العلماء لا يتحركون ولا يتحرقون بأعمالهم على ما أصاب المسلمين، ولا سيما شبابهم من الانحلال والانحراف عن تعاليم رب العالمين، فلماذا تركتم الفراغ للمفسدين في الأرض، والحاقدين على الإسلام، والذين يهاجمون كتاب الله الكريم، وحديث رسوله الصادق الأمين، ورفعوا القناع عن وجوههم القبيحة وفغروا أفواههم الخبيثة بعدما كانوا بالأمس يستترون؟
لقد اتفقت مذاهبهم الهدامة وما أكثرها واتجاهاتهم المنحرفة وما أغزرها..على مهاجمة الإسلام في عقر داره.. ومع كل هذا فنحن ملتزمون بالدفاع عنه بكل ما نملك اقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام الذي دافع عنه بكل ما لديه هو وأصحابه رضي الله عنهم، حتى أصيب في جسده الشريف وحتى وصفوه وهم كاذبون بالسحر وغيره..
فأين اختفى ذلك الإيمان الخارق للعادة والذي اكتسح من الشعوب ما أذهل الشرق والغرب، وأين ذهبت تلك العزيمة القوية، وتلك الشيم والعزة والكرامة التي تحلى بها السلف الصالح..، وقد زغنا عن ذلك كثيرا وكثيرا حتى وقع ما أنتم تشاهدونه وتعيشون فيه، فإلى متى هذا التقاعس والموت يختطف العلماء اختطافا ويتوعدنا بهذا المصير:
إذا لم يكن من الموت بد….فمن العار أن تموت جبانا
بل مت شجاعا كريم النفس عزيز الجانب طيب القلب طاهر الضمير، وأنت تدعوا إلى كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام وإصلاح ما استطعت إصلاحه، وفوق جهدك لا تلام كل واحد في دائرة اختصاصه بالدروس الناضجة والخطب الحية وبالمحاضرات التي تستنير منها قلوب الشباب، وبالمدافعة عن الإسلام ورفع الشبه عنه وبالأقلام النيرة وبالعبارات الحلوة اللينة التي تستجيب لها الضمائر، وتطمئن إليها القلوب، كل ذلك في حكمة وتبصر، كما كان السلف الصالح رضي الله عنهم،..
بهذا وغيره تكونون قد استجبتم لنداء الله تعالى ولنداء رسوله صلى الله عليه وسلم..”. (عن كتاب الفتاوي للمذكوري رحمه الله ، بتقديم العلامة عبد الله كنون رحمه الله).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- قال في رثائه العلامة تقي الدين الهلالي رحمه الله تعالى:
كان في العلم والصلاح إماما هاديا بالإرشاد والتنوير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *