من سمات دعوة الأنبياء

من جماع الدين: تأليف القلوب، واجتماع الكلمة، وصلاح ذات البين، هذه القواعد العظيمة هي من سمات دعوة الأنبياء إلى الله تعالى، فهم يذمّون الفرقة والاختلاف في الدين، ويدعون إلى المحبة والائتلاف عليه، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَقُوا﴾، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ مِنَ الذِينَ فَرَّقُوا دِينَِهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهُمْ فَرِحُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالذِينَ تَفَرقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ وقال تعالى: ﴿فَاتَقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ كما وردت أحاديث كثيرة تحذِّر من الافتراق والاختلاف وتدعو إلى المحبة والائتلاف، ولا يحقق الاجتماع على ذلك إلاّ بما قام عليه الشرع، والشرع إنّما قام على أصلين عظيمين:

أولهما: عبادة الله وحده لا شريك له، وثانيهما: عبادة الله بما شرع على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو معنى: “لا إله إلا الله، محمد رسول الله” فاتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته من طاعة الله سبحانه، قال تعالى: ﴿مَن يُّطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾، فلا يؤلف القلوب ويجمع الكلمة ويصلح ذات البين إلاّ هذا الدين، وأصل الدين وأسّه وعمود فسطاطه التمسك بالكتاب والسنة، والتحاكم إليهما في مواضع الخلاف، وموارد النزاع، وتحكيمهما في كلّ الأمور: صغيرها وكبيرها، والرضا بذلك، والانقياد إليه، فهذا ما اتفق عليه سلف هذه الأمّة قال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَّقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُم المُفْلِحُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَّكُونَ لَهُم الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَّعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً﴾، وقال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾، وقد أخرج مالك في موطئه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فقال: إنّي تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا: كتاب الله وسنتي) حسنه الشيخ الألباني رحمه الله.
فالتمسك بالكتاب والسنة والعمل بمقتضاهما أعظم نعمة أنعم الله تعالى بها على هذه الأمّة، وضمن هذا المنظور يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم، اعتصامهم بالكتاب والسنة، فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان، أنّه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن لا برأيه ولا ذوقه، ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده، فإنّهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاء بالهدى ودين الحق، وأنّ القرآن يهدي للتي هي أقوم ” الفتاوى لابن تيمية 13/28.
هذا، وقد حذّرنا الكتاب والسنة من الفرقة وأمرنا بلزوم الجماعة على الدين، والقيام به، قال تعالى :﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، اللهُ يَجْتَبِي إَلَيْهِ مَن يَّشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُّنِيبُ﴾ والاختلاف في الدين والتفرق عليه سمّاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحالقة التي تحلق الدين لا الشعر كما في الحديث الحسن.
فما ابتليت أمّة الإسلام بضعفها وتفرقها إلاّ من جهة تضييعها للاعتصام بالكتاب والسنة، وإخلالها بتوحيد الله وإتباع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، إذ بالتوحيد تكون الوحدة التي تقوم عليها الأمّة، وتحيى عليها دولة الإسلام، قال ابن تيمية رحمه الله: “وأهل هذا الأصل: هم أهل الجماعة، كما أنّ الخارجين عنه هم أهل الفرقة، وجماع السنة: طاعة الرسول، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رواه مسْلِم فِي صحِيحهِ عنْ أَبِي هُرَيْرَة: {إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ أُمُورَكُمْ} مجموع الفتاوى 28/51.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *