اتباع السنة لازم في الفروع والأصول

اتِّباع سنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم والعض عليها بالنواجذ كما هو لازم في الأصول فهو لازمٌ في الفروع عند ظهور الدليل، وقد أوصى العلماء -من سلف هذه الأمة ومنهم الأئمَّة الأربعة- بذلك وترك أقوالهم التي قالوها إذا جاء حديثٌ صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافها، وقد اشتهر عن الإمام مالك قوله: (كلٌّ يؤخذ من قوله ويُردُّ إلاَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقال الإمام الشافعي رحمه الله: (أجمع الناسُ على أنَّ من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يَدَعها لقول أحد) (الروح لابن القيم ص:395 ـ 396).
وقال ابن القيم قبل ذكر هذا الأثر بقليل: (فمَن عرض أقوال العلماء على النصوص ووزَنَها بها وخالف منها ما خالف النصَّ لم يُهدِر أقوالَهم ولَم يهضِم جانبهم، بل اقتدى بهم؛ فإنَّهم كلَّهم أمروا بذلك، فمتَّبعُهم حقًّا مَن امتثل ما أوصوا به لا مَن خالفهم).
وقد جاء عن بعض العلماء المشتغلين بفقه أصحاب المذاهب الأربعة التعويل على الأدلة الصحيحة إذا جاءت بخلاف أقوالهم، كالمالكية مثلا.
قال أصبغ بن الفرج المالكي: (المسح -يعني على الخفين- عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وعن أكابر أصحابه في الحضر أثبت عندنا وأقوى من أن نتَّبعَ مالكاً على خلافه) (فتح الباري 1/306).
وقال الحافظ في الفتح (1/276): (المالكية لا يقولون بالتتريب في الغسل من ولوغ الكلب، قال القرافي منهم: قد صحَّت فيه الأحاديث، فالعجب منهم كيف لم يقولوا بها!).
وقال ابن العربي المالكي: (قال المالكية: ليس ذلك -أي الصلاة على الغائبـ إلاَّ لمحمد صلى الله عليه وسلم، قلنا: وما عمل به محمدٌ صلى الله عليه وسلم تعملُ به أمَّتُه؛ يعني لأنَّ الأصلَ عدم الخصوصية..) (الفتح 3/189، وانظر: نيل الأوطار للشوكاني 4/54).
وعليه فاتباع السنة لازم في الفروع كما هو لازم في الأصول لعموم الأدلة في الأمر والحث على اتباع السنة، فمِن ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وقوله: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ، قال ابن كثير في تفسيره: (أي: عن أمْر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته، فتوزَن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبل، وما خالفه فهو مردودٌ على قائله وفاعله كائناً من كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، أي: فليحذر وليخش مَن خالف شريعة الرسول باطناً وظاهراً (أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) أي: في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة، (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي: في الدنيا بقتل أو حدٍّ أو حبس أو نحو ذلك).
وقال: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، قال ابن كثير في تفسيره: (هذه الآية الكريمة حاكمة على كلِّ مَن ادَّعى محبَّةَ الله وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنَّه كاذبٌ في نفس الأمر حتى يتَّبع الشرعَ المحمدي والدِّينَ النَّبوي في جميع أقواله وأفعاله..
وقال تعالى: (إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ)، أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبَّتكم إيَّاه، وهو محبَّته إيَّاكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض العلماء الحكماء: ليس الشأن أن تُحِبَّ، إنَّما الشأن أن تُحَبَّ، وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قومٌ أنَّهم يُحبُّون اللهَ فابتلاهم الله بهذه الآية فقال: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *