همسة في الآذان .. العلماء في ميدان الصحافة

“افتتاحية أول عدد من جريدة (الميثاق) بقلم مديرها العلامة عبد الله كنون رحمه الله الصادرة في 15 رمضان 1382 الموافق لـ 20 فبراير 1962”

نخط أول كلمة في هذه الصحيفة التي أرصدها للدعوة إلى سبيل الله، وإلى إعلاء كلمته بالمنافحة عن دينه؛ ونصرة شريعته؛ ولتجديد مفاهيم الإسلام ومثله بعرضها العرض اللائق بسموها وعظمتها والمتكيف بروح العصر الجديد الذي طغت فيه الفلسفات والأفكار المادية على المبادئ والقيم؛ وأصبحت هي التفسير الرسمي لجميع المظاهر والتطورات الاجتماعية.
ففي هذه الرحلة التعاونية بدعوات الشك والإلحاد والتحلل من كل التزام، يجب أن يرتفع صوت الإيمان ليفيء إليه المومنون؛ وتنبري قوى الخير لمصاولة جيوش الباطل لتردها على أعقابها، ولا يستقر لمسلم قرار حتى تعود للدين دولته وللقرآن هيمنته وللسنة حرمتها.
إنها معركة يخوضها العلماء تحت شعار قوله تعالى: “أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى” (الرعد:21) معركة بين الخير والشر والهدى والضلال، والنور والظلمة يقصد منها أولا وبالذات تثبيت الذين آمنوا بالقول الثابت والاعتقاد الصحيح والدين القيم، وتوعيتهم التوعية اللازمة التي تحول بينهم وبين الوقوع في حبائل الشيطان؛ والغي والفتنة التي ينصبها لهم الماكرون، فيصبحون وقد تحصنوا من الزيغ والإلحاد ونبذوا هذا التفرنج الآثم الذي يهد كيان المجتمع الإسلامي بما يبثه فيه من فساد أخلاق وسوء عادات، وهكذا تكون النتيجة كما قال تعالى: (إنما يتذكروا أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) (الرعد:21-22).
إنهم يشيحون بوجوههم عن الواعظ والمذكر، ويجعلون أصابعهم في آذانهم ليلا يتأذوا بسماع الخير والكلام الطيب، أطغاهم المنصب والتصرف ونفوذ الأوامر، وقبل ذلك كانوا يتمسحون بالدين ويتظاهرون بالغيرة عليه ويكثرون سواد أهله، فما يطيح بهم اليوم إلا خذلان المومنين لهم…
وعلى هذا فإن (الميثاق) ليست جريدة معارضة سياسية، ولا لسان تكتل حزبي، وإنما هي صحيفة إسلامية للدعوة والتجديد يستعين بها العلماء على تأدية رسالتهم المقدسة التي لم يألوا جهدا في تأديتها بالوسائل المعهودة كالخطابة والمحاضرة والدرس والتأليف، وبقيت وسيلة الصحافة فهم يستخدمونها الآن ليقولوا كلمتهم في كل ما يهم الأمة من أمور الدنيا والدين، ويبلغوها بواسطتها إلى كل من يهمه أن يعرف رأي العلماء في مختلف القضايا ومجريات الأحوال؛ وخاصة أولئك الذين يكثرون من التساؤل عن العلماء وموقفهم من الأحداث الهامة التي تقع في البلاد؛ وهم لا يحضرون خطبة الجمعة فيسمعوا كلمة الحق والدين ولا سيما في بعض المساجد التي عُرفت بخطبائها الأجلاء ولا يتتبعون دروس الوعظ والإرشاد التي يلقيها كثير من أهل العلم في كثير من المساجد في جميع أنحاء المغرب.
إلى أي هدى يبلغ تأثير العلماء في الاحتفاظ بما يقي للإسلام شعائره من رصد في هذه الدنيا، فإلى هؤلاء وإلى أفراد الأمة كافة تحرص رابطة العلماء أن تبلغ كلمتها ورأيها عن طريق الميثاق وما كلمتها إلا كلمة الدين الحنيف وما رأيها إلا رأي الشرع المطاع.
وإنا على قدر إيماننا بقوة الكلمة ونفوذها نؤمن أيضا بالدولة والسلطة تصديقا للقول المأثور: “لما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن” لذلك، فنحن نقف بجانب الحكومة باذلين لها النصح مستمدين منها العون لنعمل على غاية واحدة هي الإصلاح؛ ونصل إلى هدف واحد هو العيشة الراضية لجميع المواطنين.
ولما كان المرء قويا بأخيه فإنا نحيي جميع الهيئات العاملة لخير البلاد من سياسية واجتماعية وثقافية، ونحيي صحافتها مهيبين بها للتعاون والتناصر لخدمة الأهداف العليا للبلاد مسترشدين بقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) (ال عمران:103).
والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *