من عوامل القوة و النصر ضرورة استصحاب الصبر

إن دعوات الحق ما قامت ولن تقوم إلا باستصحاب الصبر، ولقد ذكر القرآن الكريم في قصص المؤمنين كيف صبروا، وأمر المؤمنين كذلك بالصبر والمصابرة.
قال – تعالى – : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
قال السعدي رحمه الله :”…حض المؤمنين على ما يوصلهم إلى الفلاح – وهو: الفوز والسعادة والنجاح، وأن الطريق الموصل إلى ذلك لزوم الصبر، الذي هو حبس النفس على ما تكرهه، من ترك المعاصي، ومن الصبر على المصائب، وعلى الأوامر الثقيلة على النفوس، فأمرهم بالصبر على جميع ذلك.
والمصابرة أي الملازمة والاستمرار على ذلك، على الدوام، ومقاومة الأعداء في جميع الأحوال.
والمرابطة: وهي لزوم المحل الذي يخاف من وصول العدو منه، وأن يراقبوا أعداءهم، ويمنعوهم من الوصول إلى مقاصدهم، لعلهم يفلحون: يفوزون بالمحبوب الديني والدنيوي والأخروي، وينجون من المكروه كذلك.
فعلم من هذا أنه لا سبيل إلى الفلاح بدون الصبر والمصابرة والمرابطة المذكورات، فلم يفلح من أفلح إلا بها، ولم يفت أحدا الفلاح إلا بالإخلال بها أو ببعضها.
والله الموفق ولا حول ولا قوة إلا به”.تيسير الكريم الرحمان
وبين – سبحانه وتعالى – أن دعوات الحق السابقة واجهت الأعباء والمكائد والزلازل بالصبر وكانوا يسألون الله أن يفرغه عليهم إفراغًا عند مواجهة عقبات الدعوة واشتداد البلاء والكرب بهم، فهذا نبي الله موسى يرشد بني إسرائيل إلى استصحاب الصبر حتى يأتي الفرج.
قال – تعالى – في تلقي موسى وبني إسرائيل إيذاء فرعون بالصبر حتى كان الفرج: { وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ }{ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }{ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }
ولقد أرشد – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم إلى استقبال البلوى بالاستعانة بالصبر عليها، فقال – تعالى – : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }.
بل بين – سبحانه وتعالى – أن أولياءه المؤمنين كانوا يصبرون ويصطبرون بل ويدعون الله ويطلبونه أن يصب عليهم الصبر صبًا حتى يفيض عليهم ويغمرهم وهو الإفراغ راجع فتح القدير للشوكاني (2 / 235). ، فيكونون بهذا الحال قد استعدوا للشدائد والكروب بأبلغ أنواع الصبر. قال – تعالى – في شأن الملأ من بني إسرائيل ومؤمنيهم الذين ثبتوا مع طالوت وهم في بروزهم لأهوال المعركة مع جالوت وجنده الكافرين: { وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } ..
ولهذا استحب بعض أهل العلم أن تكون هذه اللهجة من الدعاء لهجة جنود الإيمان حين يلقون أعداءهم انظر فتح القدير للشوكاني (2 / 315، وأن تكون هذه العبارة من الدعاء ذكرهم الكثير الذي أمرهم الله به في قوله – تعالى – : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
وكذلك طلب إفراغ الصبر من الله، كان طلب سحرة فرعون من الله، حين آمنوا وأوعدهم فرعون بكل نكال وعذاب شديد، فأجابوا بقولهم: { وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ }.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *