من أصول أهل السُّنَّة السنية في فهم النُّصوص الشَّرعيَّة

لقد جاء الإسلامُ بقواعد واضحة لفهم النُّصوص الشَّرعيَّة، حتى لا تزلَّ الأقدامُ أو تضلَّ الأفهام.

وهذه القواعد ركيزةٌ رئيسةٌ لصحَّة الاستدلال، ولا يستطيع المرءُ أن يعرف مرادَ الله ومرادَ رسوله عليه الصلاة والسلام إلا إذا استقام فهمُه لدلائل الكتاب والسُّنَّة.
وما حدثت الأفكارُ والآراءُ والضَّلالاتُ إلاَّ بسبب سوء الفهم.
ولو تُركت النُّصوصُ للنَّاس كُلٌّ يفهم منها حسبما يُمليه عليه فهمُه وعقلُه، لشَطَّ النَّاسُ في الفهم شططًا بعيدًا؛ لذلك كان لابُدَّ من أصول علميَّة نلتزم بها في فهم النُّصوص.
من هذه الأصول:
أولاً: وجوبُ الرُّجوع لمنهج السَّلف الصَّالح في فهم النُّصوص الشَّرعية:
قد يَقول قائل: لماذا يجب علينا اتِّباعُ منهج السَّلف دون غيرهم؟! أليسوا بشرًا كسائر البشر؛ فلماذا نخصُّهم بوجوب الاتِّباع؟!
فنقول: إنَّ السَّلفَ الصَّالحَ قد تميَّزوا بأمور لم تتوفَّر في غيرهم من هذه الأمَّة من العدالة والفضل والمعرفة؛ فكانوا يمثِّلون الفهمَ الصَّحيحَ والتَّطبيقَ العمليَّ لما جاء في الكتاب والسُّنَّة.
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: “سَنَّ رسولُ الله عليه الصلاة والسلام وولاةُ الأمر بعدَه سُنَنًا الأخذُ بها اتِّباعٌ لكتاب الله، واستكمالٌ لطاعة الله، وقوَّةٌ على دين الله، ليس لأحد من الخلق تغييرُها، ولا تبديلها، ولا النَّظر في شيء خالَفَها؛ مَن اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها اتَّبع غيرَ سبيل المؤمنين، وولاَّه اللهُ ما تولَّى، وأصلاه جهنمَ وساءت مصيرًا”.
وقال ابنُ تيمية رحمه الله: “مَن فسَّر القرآنَ أو الحديث وتأوَّله على غير التَّفسير المعروف عن الصَّحابة والتَّابعين، فهو مفتر على الله، ملحدٌ في آيات الله، محرِّفٌ للكلم عن مواضعه؛ وهذا فتحٌ لباب الزَّندقة والإلحاد، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام”.

ثانيًا: الرُّجوعُ إلى لغة العرب في فهم المراد من كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام؛ فقد شاء اللهُ تعالى أن تكون رسالتُه الخاتمة إلى البشريَّة باللُّغة العربيَّة، (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
قال الشاطبيُّ المالكي رحمه الله: “فعلى النَّاظر في الشَّريعة والمتكلِّم فيها أصولاً وفروعًا… أن لا يتكلَّمَ في شيء من ذلك حتى يكون عربيًّا، أو كالعربيِّ في كونه عارفًا بلسان العرب… فإن لم يبلغ ذلك فحسبُه في فهم معاني القرآن التَّقليدُ، ولا يحسن ظنه بفهمه دون أن يسأل فيه أهل العلم به” الاعتصام.
وقال الإمامُ الشَّافعيُّ: “ما جهل النَّاس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسانَ العرب وميلهم إلى لسان أرسطاطاليس” سير أعلام النبلاء؛ فمَن أراد تفهُّمَ كتابَ الله فمن جهة لسان العرب يُفهم، ولا سبيلَ إلى تطلُّب فهمه من غير هذه الجهة مع مراعاة فهم السلف الصالح كما مر فتنبه.

ثالثًا: الرُّجوعُ للقواعد والأصول التي وَضَعَها السَّلَفُ في فهم النُّصوص
كان للسَّلف قواعدُ ومبادئُ يسيرون عليها في فهمهم للنُّصوص الشَّرعيَّة، وأوَّلُ مَن جَمَعَ هذه القواعد وبيَّنَها وشرحَها الإمامُ الشَّافعيُّ في كتابه (الرِّسالة) الذي كان نواةً لما أُلِّف بعده من كتب علم أصول الفقه.
والتي تُعنَى بجمع القواعد التي تضبط استنباطَ الأحكام الشَّرعيَّة من نصوص الكتاب والسُّنَّة؛ ولذلك يشنُّ أصحابُ بدعة (إعادة قراءة النَّصّ) حملةً شعواء على الإمام الشَّافعيِّ وكتابه الرِّسالة؛ يقول أركون عن الإمام الشَّافعيِّ وكتابه الرِّسالة: “قد ساهم في سجن العقل الإسلاميِّ داخلَ أسوار منهجيَّة معيَّنة” تاريخية الفكر العربي الاسلامي.
وهو عند الجابريّ: “المشرِّع الأكبر للعقل العربيّ”!؛ لأنَّه جعل: “النَّصّ هو السُّلطة المرجعيَّة الأساسيَّة للعقل العربيّ وفاعليَّاته” تكوين العقل العربي.
ويطالبُ أصحابُ هذه المدرسة بوضع قواعد جديدة لأصول الفقه.
يقول الجابري: “إنَّما نريد أن يتَّجه تفكيرُ المجتهدين الرَّاغبين في التَّجديد حقًّا والشَّاعرين بضرورته فعلاً إلى القواعد الأصوليَّة نفسها، إلى إعادة بنائها بهدف الخروج بمنهجيَّة جديدة تواكب التَّطَوُّرَ الحاصلَ” وجهة نظر.
ويقولُ كذلك مبرِّرًا دعوتَه إلى تغيير علم أصول الفقه: “ولا شيءَ يَمنع من اعتماد قواعد منهجيَّة أخرى إذا كان من شأنها أن تحقِّقَ الحكمةَ من التَّشريع في زمن معيَّن بطريقة أفضل” نفسه.
والهدفُ من هذه الدَّعوة التَّفلُّت من القواعد والضَّوابط التي وضعها العلماء للاستنباط؛ حتَّى يتسنَّى لهم العبث بالنُّصوص الشَّرعيَّة كما شاؤوا، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. (بدعة إعادة فهم النص).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *