الاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم

ما أكرم الإنسان عندما يفيء إلى ربه، ويستجيب لدعوته ويبصر أمامه الطريق المستقيم، ليقوم بدوره في هذه الحياة، ويدرك معنى وجوده فيها وعندئذ تتحقق له الحياة الحقيقية، الحياة الكريمة الطيبة.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
فالذين يستجيبون لله وللرسول ظاهراً وباطناً هم الأحياء وإن ماتوا، وهم الأغنياء وإن قلَّت ذات أيديهم، وهم الأعزة وإن قلَّ الأهل والعشيرة، وغيرهم هم الأموات حقيقةً وإن كانوا أحياء الأبدان، يَسْعَوْنَ بين الناس جيئةً وذهاباً {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ومَا يَشْعُرُونَ}، وهم الفقراء ولو كان الذهب النُّضار يملأ خزائنهم، ويَعْمُر جيوبهم.
والله سبحانه وتعالى يوجِّه الدعوة الكريمة للمؤمنين، ويستجيش فيهم عاطفة الإيمان، ويخاطبهم بهذه الصفة: صفة الإيمان، ويذكّرهم بمقتضى هذا الذي آمنوا به، فيناديهم بصفتهم مؤمنين ليكون ذلك حاملاً لهم على المبادرة إلى إجابة الدعوة بعناية واستعداد، وقوة وعزيمة.
وهذا هو شأن المؤمن: إنه يتلقى أوامر الله ودعوته بقوة {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ واذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
هذا النداء الذي يوجهه الله تعالى لعباده المؤمنين دعوة إلى الحياة بكل صورها، وبكل معانيها، ولكنها ليست أيَّ حياة، إنما هي الحياة الكريمة العزيزة، الحياة الحقيقية الكاملة، التي يتميز بها المسلم عن سائر البشرية التي تحيا حياة بهيمية، تحركها دوافع البطن أو الفرج، فهي لا تعرف غاية نبيلة تسعى إليها، ولا رسالة تحيا من أجلها وتكافح في سبيلها، فحسب الواحد منهم دريهمات يملأ بها جيبه، أو لقيمات تملأ معدته الفارغة، أوثياب تكسو جسده العاري، أو سيارة فارهة يتنقل بها، أو منزلاً فخماً يسكنه وليكن بعد ذلك ما يكون، فهو لا يسعى لأكثر من هذا.
إن الاستجابة لله ورسوله حياة القلب والعقل، بالعقيدة التي تعمر القلب، فتملأ كيان الإنسان نوراً وهداية {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وحياة للروح والجسد، دون انفصام بينهما ولا صراع، فما كان تعذيب الجسد في شريعة الله سبيلاً لرقي الروح وتزكيتها، ما كانت العناية بالروح عاملاً يدفع المؤمن إلى ترك ما أحل الله للإنسان وتحريمه، ولا حرمانه من حق الحياة الطيبة والزينة التي أخرجها الله لعباده {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} {وابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ولا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْكَ}.
وأمـا الـذين يرفـضـون الاسـتـجـابـة لله والـرسـول فـإنهم يرفضون الحياة الكريمة اللائـقة بالإنسان، فليس لهم إلا الدُّون ومصيرهم الهلاك، ومآلهم الدمار والـبـوار {أَلَـمْ تَـرَ إلَـى الَذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وبِئْسَ القَرَارُ}.
وما أعظم خسارة الذين آثروا الدنيا الفانية على الآخرة الباقية الدائمة وما أعظم ضلال الذين حصروا الوجود في هذا الذي تقع عليه حواسُّهم قريباً في الدنيا، ويحسبون أن وجودهم محصور فيها فلا يعملون لغيرها.
خُلِق النّاسُ للـبقاءِ فضلِّت **** أمّـةٌ يحسـبـونهـم للنَّـفـاد
إنما يُنقـلـون من دار أعمالٍ **** إلى دار شقوة أو رشـاد!
فـهـل استجبنا لهذه الدعـوة الكريمة التي وجَّهها إلينا رب العزة جل جلاله، لنظفر بالحـيـاة الـكريمة في الدنيا وبالفوز والنجاة يوم القيامة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *