إن ضعف أمتنا وتغلب الأعداء علينا مصيبة عظيمة وبلاء جسيم يجب علينا أن نسعى فِي إزالته قدر الإمكان بالطرق الشرعية والأسس المرعية، وهذا لا يتحقق غاية التحقيق إلا بحسن تشخيصه، وألاَّ يخلط فِي تشخيصه بين المرض والعَرَض، وما أكثر المخلِّطين بين الأمراض والأعراض؛ فإن الحكم على الشيء فرع تصوره.
فللمؤمنين في رسول الله عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة، فقد كانت له صلوات ربي وسلامه عليه مقدمات يتخذها للنصر، ومواقف لنيل التمكين، وأسباب للتأييد مختلفة حسب الحال والزمان.
قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: “أي عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته.. {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك” 3/319.
فـ”صلاح المسلمين ونجاحهم ليس إلا في إتباع الدين كاملا، واقتداء أسوة الرسول عليه الصلاة والسلام وسيرة السلف الصالحين” أسباب سعادة المسلمين وشقائهم للكندهلوي 39، مختصره.
فها هو اختباء النبي عليه الصلاة والسلام في الغار مع الصديق رضي الله عنه كما هو مشهور في السيرة قد سماه الله تعالى نصرا، وإن كان قد يظهر للبعض أنه محض ضعف وخور وخذلان لكن العارف يدري ويفهم أن”مقدمات النصر نصر”.
قال تعالى: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
ومن مقدمات النصر التي يغفل عنها بعض الناس، بل يتضجرون من ذكرها والتذكير بها “سلاح الدعاء”، مع أنه من أنفع الأدوية التي لها تعلق أساسا بأصل المرض لا ببنيات الأمور وما عرض.
فعموم غزوات النبي عليه الصلاة والسلام كان من أسس انتصاره فيها التجائه إلى ربه ودعائه إياه بإلحاح.
قال عليه الصلاة والسلام: “إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم” صحيح الترغيب والترهيب.
في عمدة القاري للعيني رحمه الله: “..وأخبر أن بدعائهم ينصرون ويرزقون، لأن عبادتهم ودعاءهم أشد إخلاصا وأكثر خشوعا، لخلو قلوبهم من التعلق بزخرف الدنيا وزينتها وصفاء ضمائرهم عما يقطعهم عن الله تعالى، حيث جعلوا همهم واحدا فزكَت أعمالهم وأجيب دعاؤهم” 14/179.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها قلوبهم واحدة موالية لله ولرسوله ولعباده المؤمنين، معادية لأعداء الله ورسوله وأعداء عباده المؤمنين، وقلوبهم الصادقة وأدعيتهم الصالحة هي العسكر الذي لا يغلب والجند الذي لا يخذل” مجموع الفتاوي 28/644.
وفي السير للذهبي رحمه الله لما صاف قتيبة بن مسلم الترك، وهاله أمرهم، سأل عن محمد بن واسع فقيل له: “ذاك في الميمنة جامح على قوسه، يبصبص بأصبعه نحو السماء” فقال: “تلك الأصبع أحب إلي من مئة ألف سيف شهير وشاب طرير”.
فالله الله في الدعاء فإنه من أعظم الأمور التي تجلب النصر من رب الأرض والسماء.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعفه في نفسه، بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها” الجواب الكافي 11.