لزوم منهج أهل السنة والحديث

من البلايا التي منيت بها الأمة الإسلامية اليوم تضييع المنهج وذهاب الشوكة وتكالب الأعداء، حيث صار سبيلها القويم الذي هو أساس قوتها ضحية جهل أهلها وتفرقهم على بدع وأهواء مذمومة في الوقت نفسه الذي استهدفته سهام الأعداء المسمومة، ولكن حبل هذا الدين متين، وركنه مكين، شاء من شاء وأبى من أبى، علم من علم وجهل من جهل، ولذا فإن انطلاقنا أبداً في معالجة هذا الخلل وكل خلل هو العودة إلى معين الكتاب والسنة ونهج سلف الأمة، فلن يصلح الآخر بغير ما صلح به الأول، ولم يدع الله تعالى لنا شيئاً مما نحتاجه في ديننا ودنيانا إلا جاءت به الشريعة فأبصره من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

ما باله حتى السواك أبانه *** وقواعد الإسلام لم تتقرر
وأما أولئك الذي يغلفون قلوبهم بأغلفة الشبهات والشهوات فليسوا بشيء، ولن يضر أمرهم بشيء البتة بإذن رب الأرض والسماوات.
فالله الله في لزوم منهج أهل السنة السنية، وهذا يعني أن مسألة العقيدة الصحابية، والمنهج العلمي الأثري أمر لا يمكن التفريط به أو المساومة عليه بحال من الأحوال، كما يعني أن الضابط في هذا المنهج الملزم هو ما كان موافقاً لنهج السلف رضوان الله عليهم كما قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله: “أصول السنة عندنا التمسك بما عليه أصحاب رسول الله والاقتداء بهم وترك البدع، وكل بدعة ضلالة” أصول السنة له.
وهذه العبارة من دقة وفقه هذا الإمام الجليل، إذ أن الكل يدعي أنه ينتسب إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ولكن فات الكثير منهم التقيُّد بمنهج التلقي الصحيح الذي فهمه وطبقه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عينه صلوات الله وسلامه عليه، ولذلك كان لا بد من هذا التقييد في منهجية التلقي الصحيح، ولهذا فإنك لا ولن تجد فرقة ولا صاحب هوى يدَّعي الانتساب إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ناهيك عن أن يكون له سلف من هذه الأمة في ما يدعيه هواه وترمز إليه فرقته.
والدليل على لزوم منهج أهل السنة حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة” صحيح سنن ابن ماجة، والرواية الأخرى المبينة لحقيقة الجماعة هي قوله صلى الله عليه وسلم: “ما أنا عليه وأصحابي” حسن كما في صحيح سنن الترمذي، ووجه الدلالة أن أتباع هذا المنهج هم وحدهم أهل النجاة فكان لازماً لمن أراد النجاة أن يسير وفق هذا المنهاج، يرتحل مع أهل السنة والحديث دون لجاج.
أما كيفية تحقيق هذا الالتزام فيكون بالالتزام بعقيدة الإسلام وشريعته والترك لأصول الفرق الضالة والمبتدعة، وتكون مخالفة هذا الالتزام بمفارقة منهج أهل السنة والنهى، والالتفاف حول أصل من أصول أهل البدع والهوى.
فالحرص الحرص على السنة والعض عليها بالنواجذ كما في حديث حذيفة رضي الله عنه حيث قال: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك” صحيح البخاري، وقد أشار بعض الشراح -كابن حجر رحمه الله- إلى أن المراد بالعض على أصل الشجرة ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم من العض بالنواجذ على السنة كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه.
قال برهان الدين إبراهيم بن مرعي المالكي رحمه الله: “(بالنواجذ) بذال معجمة: الأنياب، وقيل: الأضراس، أي: عضوا عليها بجميع الفم لا نهشا بأطراف الأسنان، وهو كناية عن شدة التمسك بها..” الفتوحات الوهبية بشرح الأربعين حديثا النووية 529.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *