العلماء.. والصدع بالحق!

لقد أنيطت بالعلماء مهمة الصدع بالحق -بشرطه وفي محله- وواجب النصح لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والنصرة لدينه والذب عنه، كما قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ” الصف.
فلا يخفى أن الصدع بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم للدين، وهو المهم الذي ابتعث الله من أجله النبيين أجمعين، فلو طوي بساطه وأهمل عمله لفشت الضلالة وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، وخربت البلاد، وهلك العباد.
وهذا هو الحال في زمننا هذا -عموما- حتى عز على بساط الأرض الصادق الذي لا تأخذه في الله لومة لائم.
فيا أهل الخير فينا، ويا أهل العلم بين أظهرنا، هاأنتم تبصرون بأعينكم، وتسمعون بآذانكم، وتدركون بعقولكم ما نال الدين والعقيدة من مهانة، وما فشا في الناس من انحراف أبعدهم عن درك السعادة والكرامة..
فمن أسباب رواج الباطل: تقاعس أهل الحق عن الذب عن الدين ونصرته، والسكوت في غير محله والإحجام في غير وقته عن الصدع بالحق.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “وكلما ضعف من يقوم بنور النبوة قويت البدعة” الرسالة التدمرية 194.
وقال العلامة البشير الإبراهيمي رحمه الله: “واجب العالم الديني أن ينشط إلى الهداية كلما نشط الضلال، وأن يسارع إلى نصرة الحق كلما رأى الباطل يصارعه، وأن يحارب البدعة والشر والفساد قبل أن تمد مدها وتبلغ أشدها، وقبل أن يتعوّدها الناس فترسخ جذورها في النفوس، ويعسر اقتلاعها” الآثار 4/117.
ومن البواعث على القيام بنصرة الحق والصدع به استشعار فضله، فالقائم بالحق مجاهد من أنصار الله ناصح لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
قال يحيى بن يحيى رحمه الله: “الذب عن السنة أفضل من الجهاد” الفتاوي 4/13.
وقال الحميدي رحمه الله: “والله! لأن أغزو هؤلاء الذين يردون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أغزو عدتهم من الأتراك” يعني الكفار. رواه الهروي في ذم الكلام.
والشاهد والمقصود أن الأمة الإسلامية اليوم تريد من علمائها الأفاضل عموما أن يتنبهوا إلى ما يحيق بها من مكر سيء وأن يبذلوا قصار جهدهم لتقويم أمرها وإيقاظها من سباتها الذي طال عهده.
قال المقبلي رحمه الله: “وما ضلّ وأضلّ إلا تهاون العلماء بالصدع بالحق” العلم الشامخ 301.
وقال ابن الوزير رحمه الله: “ولو أن العلماء رضي الله عنهم تركوا الذب عن الحق خوفا من كلام الخلق لكانوا قد أضاعوا كثيرا وخافوا حقيرا” العواصم والقواسم 1/223.
وقال ابن قتيبة رحمه الله: “وإنما يقوى الباطل بالسكوت عنه” الاختلاف في اللفظ 60.
هذا مع التنبيه أن السكوت يحسن بل ربما يجب إذا عرض محله وتحقق شرطه، و”ضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة فإن صحت في ميزانها فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤدِ ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية” الموافقات 4/190-191.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: “فأما إن كان المأمور أو المنهي لا يتقيد بالممكن إما لجهله وإما لظلمه ولا يمكن إزالة جهله وظلمه فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه، كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت، كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء حتى علا الإسلام وظهر” الفتاوي 20/59.
هذا مع العلم كذلك أن الصدع بالحق يحتاج إلى قوة وإخلاص كما قال الإمام الذهبي رحمه الله: “الصدع بالحق عظيم يحتاج إلى قوة وإخلاص، فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام به والقوي بلا إخلاص يخذل، فمن قام بهما كاملا فهو صديق” السير 11/234.
فيا أهل العلم والدين لقد سبقت لكم العناية من الله كما سبقت لرسول الله صلى الله وسلم من قبل: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ”، إن أنتم صدعتم بالحق وقمتم بواجبكم في نصرة الدين وصبرتم على ذلك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *