5- إثبات صفة العين لله تعالى لا يلزم منه تشبيهه بخلقه:
لا ريب أن من الأسباب التي جعلت بعض المعطلة ينفون صفة العين عن الله تعالى اعتقادهم أن إثباتها يستلزم مشابهته للمخلوق، فالعين جارحة وجزء من الجسم وبعض منه والله تعالى يتنزه عن الجوارح والأبعاض، قال الفخر الرازي رحمه الله تعالى: “أما قوله بِأَعْيُنِنَا فهذا لا يمكن أجراؤه على ظاهره من وجوه أحدها أنه يقتضي أن يكون لله تعالى أعين كثيرة وهذا يناقض ظاهر قوله تعالى وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى( )، وثانيها أنه يقتضي أن يصنع نوح عليه السلام ذلك الفلك بتلك الأعين كما يقال قطعت بالسكين وكتبت بالقلم ومعلوم أن ذلك باطل وثالثها أنه ثبت بالدلائل القطعية العقلية كونه تعالى منزهاً عن الأعضاء والجوارح والأجزاء والأبعاض فوجب المصير فيه إلى التأويل…”( ).
والحق أنه لا حاجة لهذا التأويل لأنه في حقيقته هدم وتعطيل، بل هو شر من التعطيل( )، كما قرره الإمام ابن القيم عليه رحمة الجليل، فإثبات العين لله تعالى دل عليه كما سلف الكتاب والسنة والإجماع والعقل فيحرم العدول عنه، ولا يلزم من ثبوت العين لله تعالى أنها جارحة كجوارح المخلوقات أو أنها جزء منه -تعالى الله عن ذاك علوا كبيرا-.
يقول الشيخ المغراوي حفظه الله تعالى -معلقا على كلام الرازي السالف الذكر-: “انظر وقاك الله من مذهب هؤلاء المؤولة.. ما أكثر ما يتوهمون التشبيه فيلجئون إلى مثل هذه التأويلات الباطلة ولو رجعوا إلى مذهب السلف لأراحوا أنفسهم. والصحيح ما عليه سلف الأمة وأئمتها من إثباتها عين الله تعالى تليق به كبقية الصفات الثابتة دون تكييف وتشبيه وتحريف.”( ). اهـــ.
قال تعالى: “فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(74)” -النحل-، وقال تعالى: “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(11)” -الشورى-، فهو سبحانه بصير ببصر يليق به وقد ثبت أنه سبحانه يبصر بعينين، لكن ليس كمثله شيء في بصره وعينه وجميع صفاته بل في جميع ذاته تعالى الله علوا كبيرا عن مماثلة الحوادث.
وبهذا يتبين بطلان قول الحليمي في تفسير “البصير”: “وَمَعْنَاهُ الْمُدْرِكُ لِلأَشْخَاصِ وَالأَلْوَانِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الْمَخْلُوقُونَ بِأَبْصَارِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَارِحَةُ الْعَيْنِ”( ).
والظاهر من هذا الكلام عدم إثبات صفة العين لله تعالى، حيث فسر البصر بالإدراك دون أن يكون لله عين، والحق أن الله تعالى يتصف بصفة البصر وأنه جل جلاله يبصر بعين تليق به، ولا نسميها جارحة بل هي صفة من صفاته الخبرية سبحانه.
وكذلك قول الإمام البيهقي: “باب ما جاء في إثبات العين صفة لا من حيث الحدقة… وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهَرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ إِثْبَاتِ الْعَيْنِ لَهُ صِفَةً لا مِنْ حَيْثُ الْحَدَقَةِ أَوْلَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ”( ) اهـــ.
والحدقة هي السواد المستدير وسط العين، ومن المعلوم أن الكلام عن الصفات فرع عن الكلام عن الذات، فليس لأحد أن يتكلم عن صفة من صفات الله وعن كنهها وحقيقتها لأنه لم يرى ذاته سبحانه.
لذا فلا داعي لما سطره الإمام البيهقي لأننا نثبت لله عينين تليقان به، لكن حقيقتهما لا يعلمها إلا هو سبحانه( ).