دور الأسرة في بناء شخصية الطفل السوية التربية الاجتماعية عبد العزيز وصفي

أولاً: أهمّيّة التربية الاجتماعيّة للأبناء
الأسرة هي الوحدة الأساس في كلّ المجتمعات بصرف النظر عن الفروق الثقافية، فالأسرة لا تعمل على تلبية الحاجات الأولية للفرد من طعام ومأوى وملبس فحسب ولكنها تلبي حاجاته الإنسانية الأخرى كالحاجة للحب والانتماء والعناية بالصحة والعقل والسلوك، وتنتقل من جيل إلى جيل التقاليد والقيم الثقافية والروحية والأخلاقية.
وتعتبر مرحلة الطفولة من أخطر مراحل النمو وأكبرها أثراً في النفس؛ فهي مرحلة التكوين والبناء ورسم ملامح شخصية الطفل، ففي هذه المرحلة تتشكل العادات والاتجاهات والعواطف لديه، وتنمو الميول طبقاً لما توفره له البيئة المحيطة والجو الأسري سواء كان من الناحية التربوية أو الصحية أو الاجتماعية، حيث تعد البيئة الأسرية هي المؤثر الأساسي في هذه المرحلة ودورها لا يقتصر على العناية بالطفل وبيئته الأسرية فقط من يوم ميلاده، بل تتعدى ذلك إلى رعايته والتخطيط لمستقبله من خلال غرس عادات واتجاهات يصعب أو يستعصي تغييرها أو استئصالها؛ لأن التربية هي وسيلة لاكتساب الطفل قيمه التي ارتضاها لنفسه ليضمن بقاءه.
ولا يخفى على علماء التربية والنفس أن الأسرة تلعب دوراً مهماً في تنمية قدرات الطفل وبناء شخصيته، حيث يحقق المناخ الأسري الملائم أهم مطالب النمو النفسي والاجتماعي؛ لأن الطفل في ظل هذا المناخ يتعلم التفاعل الاجتماعي ويتعلم المشاركة في الحياة اليومية، كذلك يتعلم ممارسة الاستقلال الشخصي. والطفل في جميع المراحل السابقة نجده متأثرا بالأسرة، وتمثل الأسرة الوسيط الذي ينقل كافة المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم التي تسود المجتمع بعد أن تترجمها إلى أساليب عملية في تنشئة الأبناء، متمثلة في توفير المجال الكافي لهم لمتابعة ميولهم وهواياتهم داخل المنزل وخارجه، ومناقشتهم في الموضوعات التي تهمهم وتشجيعهم على الاطلاع، إن هذه الممارسات تساهم بشكل إيجابي في رعاية وتشجيع الإبداع.
إنّ الحاجة إلى الغير والتأثّر به تبدأ مع الإنسان منذ أن يكون جنيناً إلى أن يموت. فالإنسان يكتسب الوجود بتأثير من والديه، ثمّ يتأثّر بأخلاقهما وأخلاق أخوته وأقربائه وجيرانه وأصدقائه، ثمّ يدخل في خضم المجتمع؛ فيتأثّر بالمدرسة، والمعلّم، وسائر أعضاء المجتمع؛ بحسب درجة ارتباطه بهم.
فجميع الأعمال والسلوكيّات التي تصدر منّا في مراحل الصغر والصبا، وحتى مرحلة الشباب والكبر أيضاً برغم ما لنا من استقلال في الفكر والإرادة والعمل؛ تتأثّر لا محالة بالمجتمع والحياة الاجتماعيّة. والإنسان بهدف تلبية حاجته الأساسيّة والضرورية مضطرّ إلى الحياة ضمن المجتمع، كما وأنّ كثيراً من أبعاد الإنسان الوجودية لن تزدهر إلّا في ظلّ هذه الحياة الاجتماعيّة.
ولأنّ الإنسان يسعى في الحياة لضمان السعادة لنفسه، ويحاول بشتّى السبل إشباع رغباته، وهذا ما لا ينسجم مع أسلوب الحياة الاجتماعيّة، ولأنّ من الناس من لا يرتدي ثوب الفضيلة ولا يتحلّى بالأخلاق والملكات الإنسانيّة، ومن لا يتقيّد بالضوابط والقوانين؛ لذا، فإنّه من الصعوبة بمكان تجنّب الصدام، والنزاعات والخلافات.
من هنا كان لا بدّ من وجود قواعد وقوانين في المجتمع، تضطّر جميع أفراده إلى تنظيم أعمالهم وسلوكيّاتهم على أساسها، وبناء حياتهم الجماعية على أساس تلك القوانين. كما، وإنّ الحياة الاجتماعية، وإن كانت بحاجة إلى القانون، ولكنّها بحاجة أيضاً إلى الأخلاق أكثر؛ لأنّ الأخلاق تعطي الحياة طابعاً إنسانيّاً، وترفع من مستوى العلاقات الاجتماعيّة، وتساعد الإنسان على اقتحام العقبات، وتجعله حريصاً على حقوق الآخرين ورعاية مصالحهم.

ثانياً: خطوات عملية للأسرة لتكوين شخصية الطفل السوية
هناك خطوات عملية كثيرة سطرها علماء التربية والنفس يمكن أن تنهجها الأسرة المسلمة لتربية وتوجيه أبنائها لما فيه خيرهم وصلاحهم، وأقف هنا مع بعض منها بشكل موجز على النحو الآتي:
1- الرغبات العاطفية: أي تلبية رغبات الطفل الصغير في الحب والعطف والحنان لكي يشعر بالأمن والاطمئنان والسعادة والاستقرار النفسي، وتستمر حاجة الطفل للحب ما دام هو في طور النموّ والنضج؛ لأن هذا الأمر ضروري لتفتح قدرات الطفل العقلية الكامنة ونموها نمواً طبيعياً. وعلى الوالدين تعليم الطفل نظام معين من التعامل متفق عليه حتى لا تضطرب شخصيته باختلاف سلوك الوالدين تجاهه.
فإذا كان الحبُّ هو السائد في العلاقة بين الطفل ووالديه، فإنّ الطاعة لهما ستكون متحققة الوقوع، وعلى الوالدين أنْ يُصدرا توجيهاتهما برفق ولين بصورة نصح وإرشاد، فإن الطفل سيستجيب لهما، أمّا استخدام التأنيب والتعنيف فإنه سيؤدي إلى نتائج عكسية، وإطاعة الأوامر لا يجد فيها الطفل الذي حصل على المحبة والتقدير أية غضاضة على حبه للاستقلال، وبالمحبة التي يشعرها تتعمق في نفسه القابلية على تقليد سلوك من يحبّهم وهما الوالدان، فينعكس سلوكهما عليه، ويستجيب لهما. فإنه إذا عومل كإنسان ناضج وله مكانة فإنه يستريح إلى ذلك ويتصرّف بنضج وبصورة لا تسيء إلى والديه، فيتمرّن على الطاعة لوالديه، ومن ثم الطاعة لجميع القيم التي يتلقاها منهما أو من المدرسة أو من المجتمع.
2- أوقات التعلم: إنّ أفضل وقت لتعليم الطفل أي مهارة من المهارات هو عند بداية الرغبة في تعلمها، فعندما يبدي رغبته مثلاً في الشرب من الكأس في شهره السابع أو الثامن أو أن يمسك بقطعة الفاكهة أو الحلوى أو الخبز ليطعم نفسه وهو في شهره الحادي عشر أو أن يمسك بالملعقة ليأكل بها بنفسه قبل أن يتم السنة والنصف من عمره، أي: بما معناه عندما يبدي رغبته في شيء من ذلك فعلينا أن نساعده وأن نشجعه وأن نسهل عليه مهمته وألا نستعجله وأن نصبر عليه بضع مرات حتى يحسن الأداء، ولا ينبغي منع الطفل من التعلم بحجة عدم العجلة أو لأنّه لا يحسن أو لا يعرف أو لا يستطيع.
3- طموح الطفل: علينا أن نتيح الطفل تحقيق طموحه ولكن باعتدال، فالطموح القابل للتحقق ضمن حدود ذكاء الطفل وإمكاناته يجعله يتطلع إلى طموح جديد، وأما الطموح الكبير الذي لا يتحقق فإنّه يشعره بالفشل والخيبة، فالنجاح يحي النجاح والخيبة تحي الخيبة، وعلينا ألا نستهزئ أو أن ننتقص من الطفل أو نقوم بتجريحه بالكلام أو نقوم بتفضيل آخرين عليه وما شابه، فهذه الأساليب تجعل الطفل يكره العلم والتعلم ولو بشكل خفي، كما يجب اختيار اللعب المناسبة لقدرات الطفل يتمكن الطفل بنفسه من اللعب بهذه اللعب، وعلى الأهل الإجابة عن أسئلة الطفل واشكالاته بعفوية وبساطة.

ثالثاً: دور الأسرة في بناء الشخصية الاجتماعية للطفل
يقول المختصون في مجال التربية وعلم النفس: إنّ بناء الشخصية الاجتماعية لابدّ له من أمرين حتى يصبح لديك طفل اجتماعي.
أوّلاً: أشبع حاجات ابنك النفسية.
ثانياً: أعد ابنك لممارسة الحياة المستقبلية.
والسؤال الوارد هنا هو: كيف نربي الطفل اجتماعياً حتى يكون قادراً على التفاعل مع محيطه، ويستطيع أن يطلب حقه ويعطي غيره حقه دون أن يظلم أو يُظلم، ويكون له دور فعّال في المجتمع؟
والجواب: أنه لا بد من مراعاة بعض الخطوات في التربية والاعداد النفسي للطفل حتى تستقيم شخصيته، وذلك من خلال الالتزام بالآتي:
1- الحاجة إلى الاحترام:
إنّ إشباع حاجة الاحترام يعني: قبول الطفل اجتماعياً وزرع الثقة به واكتساب ثقته، ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة في احترام الطفل، فقد كان يقوم (صلى الله عليه وسلم) على الصبيان ومناداتهم بكنى جميلة واحترام حقوقهم في المجالس، حيث استأذن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) الغلام أن يُعطى الأشياخ قبله، وكان هو الجالس عن يمين الرسول الكريم عليه السلام.
كما لابدّ أن يكون الاحترام نابعاً من قلب الوالدين وليس مجرد مظاهر جوفاء، فالطفل وإن كان صغيراً فإنّه يفهم النظرات الجارحة والمحتقرة ويفرق بين ابتسامة الرضا والاستهزاء، وإضافة إلى السلام عليه ومناداته بأحب الأسماء واحترام حقوقه، يجب الإجابة عن أسئلته وسماع حديثه وشكره إذا أحسن والدعاء له والثناء عليه وإعطائه فرصة للدفاع عن نفسه.
والحاجة إلى الاحترام تشمل عدة أمور ومواقف بطولية نذكر منها:
أ- تقبّل الأخطاء:
على المربي أن يتقبل فكرة وقوع ولده في الخطأ، وأن يتذكر أنّ الخطأ ربما كان طريقاً للنجاح واستدراك الفائت، فلا يشنّع عليه ويتيح له فرصة الرجوع والتوبة ليستعيد توازنه النفسي، فالدراسات تشير إلى أنّ الأسوياء كان آباؤهم يتلفتون إلى محاسنهم ويمدحونهم على أعمالهم الحسنة أكثر من نقد الأخطاء، ويشاركونهم في اللعب والعمل كالأصدقاء.
ب- الصداقة والمصاحبة وتجنب الاحتقار:
إذا فقدت هذه الصداقة وجدت الطفل في مراهقته يتعلق بزميل أو معلم أو قريب، وقد يكتسب خبرات سيئة كان الأولى أن يكتسبها من والده أنّ الصداقة عقدت بينهما.
كما أنّ احتقار الطفل يشعره بالغربة بين أسرته والرغبة في العزلة ومن جهة أخرى يقوّي صلته برفاقه الذين يعجبون به، وقد يكون هؤلاء رفقة سيئة فينساق وراءهم وينحرف، والواقع يشهد بمئات الأمثلة.
2- الشعور بحب الاستقلال:
يبدأ الشعور بحب الاستقلال عند الطفل في سن مبكرة، فهو يحاول الاعتماد على نفسه في تناول الطعام وارتداء الثياب وعلى المربي أن يساعده على الاستقلال والاعتماد على النفس، وسيكون ذلك أمراً صعباً يحتاج إلى صبر، وينبغي ألا تقدم له المساعدة إلا إذا كان العمل عسيراً لا يستطيعه، ويستمر في ذلك في كلّ حاجاته وأعماله، مما يدعم ثقته بنفسه ويسهل تكيفه مع المجتمع.
يعتبر من أهم الحاجات النفسية، وتختلف وسائل إشباع هذه الحاجة من مرحلة لمرحلة، ففي مرحلة الطفولة المبكرة يلذ للمربي ملاعبة الطفل وترقيصه ومداعبته بأرق العبارات وتقبيله وضمنه، وبعد أن يبلغ خمس سنوات يحب الطفل أن يجلس قريباً من الوالدين أو يضع رأسه على فخذ أحدهما أو يقبلهما أو غير ذلك، بل إنّه تشتد حاجته تلك عند رجوعه من المدرسة أو من مكان لم يصحب فيه والديه أو عند وجود مشكلة خارج البيت أو داخله.
وعدم إشباع هذه الحاجة يؤدي إلى عدم الثقة بالنفس، فيصعب على الطفل التكيف مع الآخرين ويصاب بالقلق والانطواء والتوتر، بل يعتبر الحرمان من الحب أهم أسباب الإصابة بمرض الاكتئاب في المستقبل، ومن الناحية الاجتماعية تحدث فجوة بين المربي والطفل عندما لا تشبع حاجته إلى الحنان فيحسن الطفل بالانقباض تجاه والديه ويستقل بمشكلاته أو يفضي بها للآخرين دون والديه، ويصبح عنده جوعة عاطفية تجعله مستعداً للتعلق بالآخرين، والتعلق يتخذ صوراً كالإعجاب والحب المفرط المؤدي إلى العشق المحرم والشذوذ الجنسي؟
3- حاجته إلى اللعب:
إنّ ما يحققه اللعب من فوائد نفسية وبدنية وتربوية واجتماعية للطفل تجعله من الحاجات الضرورية لبناء نفسية الطفل، وفوائده تجتمع في الآتي:
أ‌) استنفاد الجهد الفائض والتنفيس عن التوتر الذي يتعرض له الطفل، فيضرب اللعبة متخيلاً أنّه يضرب شخصاً أساء إليه أو شخصاً وهمياً عرفه في خياله وفيما يحكى له من الحكايات.
ب‌) تعلم الخطأ والصواب وبعض الأخلاق كالصدق والعدل والأمانة وضبط النفس عن طريق اللعب الجماعي، وبناء العلاقات الاجتماعية، فيتعلم التعاون والأخذ والعطاء واحترام حقوق الآخرين، كما يتعلم لعب دوره المستقبلي.
ت‌) يدل اللعب بكثرة على توقّد الذكاء والفطنة ويساعد على نمو العضلات وتجديد النشاط، وتنمية المهارات المختلفة، ولكن هل يعني ذلك أن نترك أبناءنا يلعبون دون ضوابط؟ مما لا شك فيه أنّ هناك ضوابط عدة للعب قصد تجنب آثارها السيئة.

ومما سبق موجزاً يمكننا القول:
إننا -في هذا العصر- بأمس الحاجة لدور الأسرة الحقيقي لتحقيق التنشئة الاجتماعية السليمة للأبناء في ظل المتغيرات الكثيرة والمتسارعة والتي تؤدي إلى تدمير الناشئة على أكثر من صعيد إذا لم نحسن تربيتها وتوجيهها التوجيه السليم لما فيه خيرها وخير الأمة الإسلامية جمعاء.
————————-
مصادر ومراجع البحث:
• دليل الآباء والأُمّهات في تربية الأبناء، د/ جمال ماضي.
• تربية الأولاد في الإسلام: عبد الله ناصح علوان.
• فن تربية الأولاد في الإسلام: محمد سعيد مرسي.
• الموسوعة الأم في تربية الأولاد في الإسلام: د. أحمد مصطفى متولي.
• الهدي النبوي في تربية الأولاد: الشيخ الدكتور: سعيد بن علي بن وهف القحطاني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *