غريب أن يتصاعد السعار الإعلامي الهدام في شهر رمضان، شهر العبادة والصيام والقيام، ويوازي هذا السعار ربيبه ورضيعه السعار الجنسي، فبالأمس وخلال شهر الصيام عرضت إحدى الوسائل الإعلامية المغربية بغيا (مومسا) من جنسية مغربية في فرنسا تحترف تمثيل أفلام الخليعة “البورنو”، وهي تردد بكل وقاحة خلق وصفاقة وجه أنه لا تعارض بين “تمثيل الجنس” ومعتقدها الديني وأن إيمانها بالله لم يتأثر بذلك، وما هذه إلا خطوة نحو علمنة الحياة من خلال الترويج لفكرة: لا علاقة للإيمان بالعمل ومن ثم فصل الدين عن الحياة العامة والتصرفات الشخصية، كما يمكن اعتبار مثل هذه المواد الإعلامية خطوة أخرى من الخطوات الممنهجة نحو إفراغ شهر رمضان من قيمه وجعله جسدا بلا روح حتى لا يؤثر في الناس بعد انقضاء مدته.
ناهيك عن القنوات والفضائيات التي تترك الأسرة حائرة، ما تكاد تستقر على قناة لكثرتها ومغرياتها، ومع هذا التقليب يتقلب القلب ويضعف نوره وقد يؤدي الضعف إلى الانطفاء، وبذلك يذبح شهر رمضان بهذه الآلة الفضائية الحدباء في النفوس.
ولكن مساكين نحن المشاهدين -بوصفنا مستهلكين للمواد الإعلامية-، فلا يوجد ميثاق إعلامي يحمينا من الأغاني الجنسية “الكليبات”، ومن المسلسلات الهابطة أولادنا خصوصا المراهقين منهم، فالآباء والأمهات أغلبهم يشكو من انحرافات أبنائهم خصوصا ما تعلق بتصريف الشهوة، وإقامة العلاقات الجنسية غير المشروعة.
فلا بد أن نلقح أنفسنا ضد هذا الوباء وأن نعقم صيامنا بل حياتنا كلها من جراثيم الذنوب والآثام، وأن نحمي أنفسنا من قُطَّاع السبيل، ونقي صيامنا وقيامنا وعبادتنا عموما من قراصنة الأجر والثواب، في تلك القنوات الفضائحية التي تستشرف الأسرة المسلمة في كل ليلة من ليالي رمضان لتبطل الأعمال، وتذهب بالخير، وتجعل الشر يعلو الميزان.
قال مصطفى صادق الرافعي: “ألا ما أعظمك يا شهر رمضان! لو عرفك العالم حق معرفتك لسماك (مدرسة الثلاثين يوما)”.
ولكن أرباب القنوات لا يُقدِّرون هذا الشهر الكريم حق قدره، الذي هو بمثابة مدرسة روحية يسمو بها العبد بروحه، ويهذبها. تلك القنوات الفضائية العربية التي تنزع الشعور الروحاني من شهر رمضان من خلال برامجها التي تبثها على طول أيامه ولياليه بين تمثيل رخيص وبرامج سيئة و”فيديو كليبات” ماجنة.
هذه “الفيديو كليبات” التي “لا تقدم مجرد أنثى تغني وترقص وتتعرى وتتلوى بل إنها تعبر عن رؤية كاملة للحياة، نقطة انطلاقها هو الفرد الذي يبحث عن متعة مهما كان الثمن… و”الفيديو كليبات” بتركيزها على هذا الجانب وحده تسهم في تصعيد السعار الجنسي في مجتمع فيه أزمة الزواج”، برفع سن الزواج والتضييق على من يريد الإحصان والتسهيل لمن يريد الزنا والعياذ بالله.
كما أن هذه “الفيديو كليبات” تضعف الانتماء إلى الدين والوطن إن لم نقل تعدمه، وهذا من أسباب الهجرة السرية، ويبدو جليا في هذه الكليبات التي لا وطن لها فمرة تجدها ذات خلفية أمريكية وأخرى هندية وأخرى لبنانية وأخرى أسترالية…والفتيات شقراوات، وحتى لو كن من بنات البلد فما يلبسنه من ملابس لا علاقة لها بما نعرفه في حياتنا كما أن الأبطال يركبون السيارات الفارهة ويسكنون القصور وكل هذا بطبيعة الحال يصعد الشهوة الاستهلاكية ويضعف الانتماء للدين وللوطن لكونه يحتل من النفس مكان الخطاب الديني الأخروي ويؤثر فيها عكس ما يريده الله تعالى، حيث قال: “وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً”النساء.
وقد يقول البعض أن هذا يدخل في حرية الفكر والفن، والرد على هذا أن هذه الفيديو “كليبات” ليست فكرا وليست فنا ولا إبداعا وإنما هي شكل من أشكال “البورنو” الذي يهدف إلى استغلال الإنسان -جسد المرأة خاصة- وتحقيق الربح بجعله سلعة تدر على من يروجها في سوق النخاسة الجنسية أموالا طائلة.
والغريب في الأمر أن كمًّا هائلا من هذه “الكليبات والبرامج “تدخر إلى شهر رمضان، وليس لها علاقة بشهر رمضان لا من قريب ولا من بعيد، وحسبنا الله ونعم الوكيل.