عرف منهاج مادة التربية الإسلامية تطورا ملحوظا منذ الاستقلال، هكذا نجد وثيقة مناهج التعليم بالمدارس الابتدائية لسنة 1964 تتحدث عن مناهج التربية الدينية والوطنية، وتضمنت توجيهات عامة حول أهمية منهاج القرآن الكريم والدين في التعليم الابتدائي، فكانت حينها تدرس في الابتدائي تحت اسم مادة الدين وأحيانا مادة الأخلاق؛ وانتقلت إلى التناوب مع مادة التربية الوطنية بمعدل ساعة في نصف شهر، وبعدها أفردت لها ساعة كل أسبوع بمعامل واحد؛ ولما تم تعميمها في الإعدادي والثانوي لم يكن بعد قد خُصص لها كتاب مدرسي فكانت موضوعاتها مختلفة ومتنوعة.
في وثيقة برنامج مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية لسنة 1979 نجد لأول مرة تعريفا لمادة التربية الإسلامية وتحديدا لأهدافها التي من بينها: الانفتاح على الحياة المعيشة؛ ومعالجة قضايا الأسرة؛ كما أشارت إلى دور الأستاذ في التربية؛ وفي سنة 1980 خصصت لها ساعتان في الأسبوع، وكانت تسند إلى أساتذة اللغة العربية.
لما تخرج أول فوج لشعبة الدراسات الإسلامية سنة 1984 بدأت المادة تعرف نوعا من الاستقلالية في التخصص وفي منهجية التدريس، لهذا نجد وثيقة البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس مادة التربية الإسلامية بالمرحلتين الإعدادية والثانوية لسنة 1989 تتحدث عن طرائق التعليم، وطريقة استعمال الكتب المدرسية ودفاتر التلاميذ ودفتر الأستاذ أو جذاذاته؛ وجدير بالذكر أنه كان لتأسيس الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية منذ نونبر 1992 إلى حينه دور مهم في مراجعة مناهج المادة وتطويرها إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم.
كما هو معلوم فإن مراجعة المناهج التربوية بشكل عام ومناهج التربية الإسلامية بشكل خاص بهدف تطويرها وتجويدها يتطلب:
– تشخيصا دقيقا لأسباب عدم مسايرتها جزئيا أو كليا للتغيير الذي يشهده المجتمع وعجزها عن رفع التحديات التي تفرضها هذه المتغيرات، داخلية كانت أم خارجية؛
– استقراءً للحاجات الآنية والمستقبلية للمجتمع، على اعتبار أن المناهج التربوية التعليمية مرآة لمشروع مجتمعي ذي مرجعيات فكرية وحضارية متنوعة.
ولبلوغ هذا وما يرتبط به، يصطدم مهندسو المناهج التربوية بصعوبات كثيرة، لعل أهمها صعوبة حسم ثنائية الثابت والمتغير من القيم التي يلزم أن تؤطر هذه المناهج حتى تساير المستجدات الداخلية والخارجية المتحكمة في دينامية تطور المجتمع.
فإلى أي حد استحضر منهاج التربية الإسلامية المعدل في يونيو 2016 التحديات التي فرضها تطور الحقل الديني في المغرب؟ وهل تم بناؤه وفق مقاربة نسقية تدمج مرجعيات فكرية وحضارية متنوعة؟
لتفصيل القول في الموضوع أركز على نقطتين أساسيتين:
النقطة الأولى: مركزية التربية الإسلامية في التوجيهات الملكية وموقعها من تأهيل الحقل الديني؛
النقطة الثانية: تساؤلات عن موقع منهاج التربية الإسلامية المعدل من المنهاج السابق ومن الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومقترحات لبناء منهاج دراسي منسجم مع السياق الوطني.
بالنسبة للنقطة الأولى المتعلقة بمركزية التربية الإسلامية في التوجيهات الملكية، اخترت أن أركز على إعادة هيكلة الحقل الديني في المغرب منذ أحداث 16 ماي 2003، والذي جاء مفصلا في الخطاب الملكي ل 30 أبريل 2004، حيث تم الإعلان عن مجموعة من الإجراءات والتدابير اللازمة لإعداد استراتيجية مندمجة وشمولية لتأهيل الحقل الديني وتجديده، تحصينا للمغرب من نوازع التطرف والإرهاب، وحفاظا على هويته المتميزة بالوسطية والاعتدال والتسامح؛ وهذه الإجراءات كما وردت في الخطاب الملكي متعددة الأبعاد وتنبني على ثلاثة أركان وهي:
الركن الأول المؤسسي، الذي يقوم على إعادة هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والذي لا يستقيم أداؤه حسب ما ورد في الخطاب الملكي إلا بتعزيزه بالركن الثاني.
الركن الثاني التأطيري الفعال الذي يسهر عليه علماء مشهود لهم بالجمع بين فقه الدين والانفتاح على قضايا العصر، وركز الخطاب على ضرورة إصغاء هؤلاء العلماء إلى المواطنين خاصة الشباب منهم وتنويرهم لحماية عقيدتهم وعقولهم، مع الحرص على إشراك المرأة في هذه المجالس العلمية مساواة مع شقيقها الرجل؛ موازاه مع توسيع دائرة نفوذ المجالس العلمية ومجال اختصاصاتها وردت في الخطاب الملكي إشارات قوية لإصلاح رابطة علماء المغرب وإخراجها من سباتها العميق، وإحيائها بشكل يجعل منها جهازا متفاعلا مع المجالس العلمية.
الركن الثالث: التكوين المتين في العلوم الإسلامية كلها، في نطاق مدرسة وطنية موحدة
ومع أن مكونات الركن الأول (المؤسسي) والثاني (التأطيري) تحتاج منا إلى وقفة تأمل وتدقيق في طرح السؤال عن حصيلة ما أنجز وما لم ينجز من قبيل إشراك المرأة المحتشم في تدبير الشأن الديني إذ لا تتجاوز نسبة المشاركة 3% من مجموع أعضاء المجلس العلمي الأعلى، فإننا سنركز في هذا المقال على الركن الثالث المتعلق بمركزية مادة التربية الإسلامية في الخطاب الملكي ودورها في تطوير الشأن الديني في المغرب وترسيخ قيم الوسطية والاعتدال والتسامح والانفتاح على العصر، وجعلها ركنا أساسيا لاستقامة وظائف الركن المؤسسي والركن التأطيري للعلماء، حيث ورد في الخطاب الملكي:
“وعلما منا بأن الوظائف التأطيرية المنوطة بهذه الهيئات، ستظل صورية، ما لم تقم على الركن الثالث الأساس، المتمثل في التربية الإسلامية السليمة، والتكوين العلمي العصري، فإننا، مواصلة للجهود الرائدة التي بذلها والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، قدس الله روحه، نصدر تعليماتنا لحكومتنا، قصد اتخاذ التدابير اللازمة، بأناة وتبصر، لعقلنة وتحديث وتوحيد التربية الإسلامية، والتكوين المتين في العلوم الإسلامية كلها، في نطاق مدرسة وطنية موحدة. وفي هذا السياق، حرصنا على تأهيل المدارس العتيقة، وصيانة تحفيظ القرآن الكريم، وتحصينها من كل استغلال أو انحراف يمس بالهوية المغربية، مع توفير مسالك وبرامج للتكوين، تدمج طلبتها في المنظومة التربوية الوطنية، وتجنب تخريج الفكر المنغلق، وتشجيع الانفتاح على الثقافات”.
إن المغرب، كسائر الدول التي تغير حاضرها وتستشرف تأسيسا على هذا التغيير مستقبل ناشئتها، يراجع مناهجه التعليمية كلما دعت الضرورة الى ذلك من خلال:
– تقديم أجوبة شافية تعالج قضايا الشباب المغربي، وتحصين عقيدتهم من الزيغ والتحريف؛
– تأهيل الشباب لتحمل المسؤولية الاجتماعية بأمانة، والمسؤولية السياسية بإخلاص.
والتربية الإسلامية بوصفها مادة من المواد الدراسية في منظومة التربية والتكوين المغربية تحتل فيها موقعا محددا وتؤدي وظيفة واضحة؛ وهي تصريف لجانب من جوانب التعليم الديني في مجال التربية على القيم؛ ونظرا لخصوصية استراتيجية المغرب في تدبير الشأن الديني وإعادة هيكلة هذا الحقل خلال العشرية الأخيرة لتمنيع المجتمع المغربي وتحصينه من الفتن، فقد أضحى من اللازم مراجعة برامج ومناهج التربية الإسلامية كي تكون منسجمة مع:
– مقاصد التعليم الديني في المغرب؛
– مقتضيات دستور المملكة المغربية لسنة 2011 الذي أكد في ديباجته على تشبث الشعب المغربي بالانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء؛
– الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التربية والتكوين 2015-2030.
النقطة الثانية: تساؤلات عن موقع منهاج التربية الإسلامية المعدل من المنهاج السابق ومن الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومقترحات لبناء منهاج دراسي منسجم مع السياق الوطني. نقفز هنا على المحطات الإصلاحية للتعليم وما رافقها من اختلالات تفاصيلها منشورة في التقارير الوطنية والدولية، ونتساءل:
1 – هل منهاج التربية الإسلامية السابق الصادرة عن وزارة التربية الوطنية ومناهج التعليم الديني الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بخصوص التعليم العتيق تتضمن قيما منافية لقيم الوسطية والتسامح والاعتدال والتعايش وسببا فيماتشهده بعض المؤسسات التعليمية من عنف ؟
2 – لماذا تجاوز المنهاج المعدل بعض مرتكزات الميثاق الوطني للتربية والتكوين التي تنص على التدريس بالوحدات والمجزوءات مما جعله نشازا بين سائر المواد الدراسية، ولا يساعد المتعلم على اكتساب الكفايات العرضانية؟ ولماذا تراجع أيضا وبشكل ملحوظ عن حصص التطبيقات والأنشطة رغم أهميتها ودورها في ترسيخ مجموعة من القيم وإذكاء الفاعلية على تدريسية المادة؟
3 – كيف يمكن ربط المتعلم بالركن المؤسسي والركن التأطيري لتأهيل الحقل الديني بحذف الأنشطة التي كانت تربط المؤسسات التعليمية بمحيطها الاجتماعي والثقافي والعلمي؟
4 – إلى أي حد استجاب منهاج التربية الإسلامية المعدل في يونيو 2016 إلى التوجيهات الملكية الواردة في خطاب 30 أبريل 2004 وتوجيهات 06 فبراير 2016؟
من طبيعة الحال فإن تقديم أجوبة علمية دقيقة عن هذه الأسئلة يتطلب محددات أساسية منهجية ومرجعية منها:
أولا: اختيار القيم المركزية والقيم الناظمة المؤطرة للمناهج الدراسية بناء على معايير واضحة مستنبطة من الوثائق المرجعية الرسمية؛
ثانيا: عدم القفز على مكتسبات دستور 2011 ومرتكزات الميثاق الوطني للتربية والتكوين لبناء منهاج للتربية الإسلامية منسجم مع مناهج باقي المواد الدراسية؛
ثالثا: الاستفادة من التراكم الكمي والكيفي بخصوص البحوث والدراسات حول مناهج التربية الإسلامية.
انطلاقا من هذه المحددات نقترح ما يلي:
أولا: إن حذف بعض النصوص القرآنية بدعوى تحريضها على الغلو والتطرف أمر لا يستقيم، بل هو فهم سقيم للنصوص القرآنية، والعجب كل العجب أن تكون عندنا معاهد للقرآن الكريم والتفسير والحديث وكليات لأصول الدين ويعجز علماؤها والباحثون عن مناقشة الموضوع بجرأة علمية..؛
ثانيا: علاقة بموضوع حذف بعض النصوص القرآنية نؤكد أن حذف بعض المفردات من المناهج السابقة ومن المنهاج المعدل في يونيو 2016 من قبيل موضوع الجهاد والحدود والإرث ليس حلا تربويا ولا بيداغوجيا ولا علميا، بل هو تشويش على الشباب الذي يتيه ولا يجد ضالته إلا في مواقع التواصل الاجتماعي المنفتحة على كل المخاطر، لهذا يجب على مهندسي منهاج التربية الإسلامية ومناهج التعليم الديني طرح هذا الموضوع بما تقتضيه الجرأة العلمية، طالما أن مقاربة معالجته تختلف بين رابطة علماء المغرب وخطب الأئمة في المساجد التي تسهر عليها وزارة الأوقاف والإعلام الرسمي وغير الرسمي؛
ثالثا: رغم أن مدخل التربية على القيم من بين المداخل التي اعتمدت لإصلاح منظومة التربية والتعليم في المغرب منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن، إلا أنه لم تصدر أية وثيقة رسمية مرجعية للقيم الناظمة للمناهج التعليمية ولا أية وثيقة توضيحية لآليات تفعيل وتنزيل مدخل التربية على القيم، فظل هذا المدخل في إطاره النظري العام، حيث نجد كل الوثائق الرسمية الصادرة عن الوزارة تستنسخ النص الوارد في الميثاق في مجال القيم: قيم العقيدة الإسلامية؛ قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية؛ قيم المواطنة؛ قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية. دون تدقيق في طبيعة القيم المراد استدماجها في هذه المجالات ودون تقديم مقترحات عملية لإدماج هذه القيم في البرامج الدراسية.
لهذا ظل سؤال القيمة المركزية وسبل اختيارها والقيم الفرعية الناظمة للمناهج الدراسية المغربية ودورها في تحقيق مواصفات المتعلم المعلن عنها في الوثائق الرسمية من القضايا الشائكة التي ما تزال موضوع نقاش منذ صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مناظرات علمية وملتقيات فكرية وأيام دراسية وندوات.
ما يحمد لمنهاج التربية الإسلامية المعدل في يونيو 2016 أنه ولأول مرة يطرح موضوع القيمة المركزية والقيم الناظمة لها، إلا أنه مع الأسف الشديد أورد هذه القيم دون تقديم ولا تبرير علمي، واكتفى بإيراد خطاطة للقيمة المركزية التي اختار أن تكون هي التوحيد دون تبرير والقيم الناظمة لها وهي: المحبة الحرية الاستقامة الاحسان دون تبرير أيضا.
وهنا نتساءل: لماذا لم يعتمد مهندسو منهاج التربية الإسلامية المعدل على القيم الأساس الواردة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين على الأقل من باب أنها إلى حد ما متوافق عليها؟
وما موقع القيمة المركزية (التوحيد) والقيم الناظمة لها (المحبة الحرية الاستقامة الإحسان) في المنهاج المعدل من القيم الواردة في تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين الصادر في 2017، وفي ديباجة دستور 2011؟
رابعا: إن مراجعة المناهج الدراسية التي تروم إلى تحقيق مواصفات دقيقة في المتخرج من المدرسة المغربية عمومية كانت أو خصوصية تحتاج إلى زمن معقول من أجل توافق الشركاء المنصوص على أدوارهم في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، كما تحتاج إلى شفافية ووضوح في انتقاء اللجن العلمية التي ستسهر على هندسة هذه المناهج، ولا معنى أن يعهد تأليف الكتب المدرسية لدور النشر، بل يجب أن يعود إلى إشراف الوزارة الوصية.
خامسا: تفعيلا لمقتضيات دستور 2011 يجب ربط المسؤولية بالمحاسبة في كل ما يتعلق بهندسة المناهج الدراسية والبرامج والأطر المرجعية لأن أي إخفاق في هذه الهندسة سواء كان مقصودا أو غير مقصود يؤدي حتما إلى ما لا تحمد عقباه.
السلام عليكم شكرا على المقال الرائع الذي يستحق أن يطبع، سؤالي لكم ما المصادر والمراجع المعتمدة في هذا المقال