هذا المقال مقتبس من كتاب “تاريخ القراءات في المشرق والمغرب” للدكتور محمد المختار ولد اباه، وهو من منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة سنة 1422ﻫ/2001م. تصرّفتُ في المقتبس منه ترتيبا وانتقاء واختصارا، وكان قصدي منه تعريف عموم المغاربة، في هذا المنبر المشهود باستقامته، بجهود سلفهم في العناية بالقراءات القرآنية، لعل آفاق البحث في هذا المجال تزداد انفتاحا فيكون للخلف فضل كما للسّلف.
اختيارالقراء السّبعة ورواتهم:
كان نزول القرآن الكريم على الأحرف السّبعة سببا في ظهور القراءات القرآنية. وكان تقديم بعض القرّاء على غيرهم عملا اجتهاديا فرديا قام به ابن مجاهد، حيث سبّع القراءات واعتبر غيرها شاذّا، وزكّى اختياره هذا إمام القراءات في الأندلس أبو عمرو عثمان بن سعيد الدّاني في كتابه “التّيسير”، وزاد عليه بأن اختار لكل واحد من السّبعة راويين. وأجمعت الأمّة على قبول اختيارهما الذي زكّاه أبو القاسم الشّاطبي في لاميته المشهورة “حرز الأماني” التي قال فيها:
جزى الله بالخيرات عنّا أئمّة | لنا نقلوا القرآن عذبا وسلسلا |
فمنهم بدور سبعة قد توسّطت | سماء العلا والعدل زهرا وكمّلا |
لها شهب عنها استنارت فنوّرت | سواد الدجى حتى تفرّق وانجلى |
وبالرّغم من الإجماع الحاصل من الأمّة على تواتر القراءات السّبع، إلا أن بعض العلماء اعترضوا على هذا التّسبيع من ابن مجاهد وحصْر الرّواة من أبي عمرو الدّاني. وهذا ما حمل بعضهم بعد ابن مجاهد على إضافة ثلاثة ممّن توافرت فيهم ضوابط صحّة القراءة إلى السّبعة،. فأثبتهم ابن الجزري في كتابه “النّشر في القراءات العشر”، ونظمه في قصيدة “الدّرّة” على بحر الشّاطبية ورويّها ومنهجها في الرّموز. وهؤلاء الثّلاثة هم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني(ت130ﻫ) وهو من شيوخ الإمام نافع، وخلف بن هشام البزّار(ت229ﻫ) وهو من رواة حمزة بين حبيب الزّيّات، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي(ت205ﻫ) وهو من أتباع أبي عمرو بن العلاء.
وزاد عليهم بعض القرّاء أربعة آخرين وهم: الحسن بن أبي الحسن البصري(ت120ﻫ)، وسليمان بن مهران الأعمش(ت148ﻫ)، ومحمّد بن عبد الرّحمن بن محيصن المكّي(ت123ﻫ)، ويحيى بن المبارك اليزيدي(ت202ﻫ) وهو من رواة أبي عمرو بن العلاء، وعنه أخذ الدّوري وحفص بن عمر الدّوري(ت246ﻫ) وصالح بن زبان السّوسي(ت261ﻫ).
واتّفق القرّاء والأصوليون على صحّة قراءة الثّلاثة وشذوذ قراءة الأربعة الملحقين بهم لعدم خضوعها للضّوابط المعتمدة في صحّة القراءة.
وكان عمدة أبي عمرو الدّاني في اقتصاره على راويين لكلّ قارئ هو التّيسير في الدّرس والتّسهيل في الحفظ والتّقريب في التّناول، بالنّظر إلى الصّحيح المنتشر والمشهور من الرّوايات والطّرق. ونوجز ذكر القرّاء ورواتهم فيما يلي:
القرّاء السّبعة ورواتهم:
- نافع بن أبي عبد الرحمن أبو رويم الليثي المدني (ت169ﻫ)، وأخذ القراءة عن سبعين من التّابعين. ورواته كثيرون أشهرهم ورش، واسمه أبو سعيد عثمان بن سعيد(ت197ﻫ) إمام القراءات بمصر في عصره، وأخذت عنه عدّة طرق منها طريق الأزرق أبو سعيد يوسف بن عمر(ت240ﻫ) الذي خلفه في القراءة، والأصبهاني أبو بكر محمّد بن عبد الرّحيم(ت296ﻫ). والرّاوي الثاني هو قالون، وهو عيسى بن مينا المدني(ت220ﻫ) المعروف بجودة قراءته، ومن الطرق المعروفة له: طريق أبي نشيط محمّد بن هارون المروزي(ت258ﻫ) والحلواني أحمد بن يزيد(ت250ﻫ).
- عبد الله بن كثير المكّي(ت120ﻫ)، وراوياه المشهوران هما: البزّي أحمد بن محمّد بن أبي بزّة(ت250ﻫ)، واشتهرت عنه طريقان: طريق أبو ربيعة محمّد بن إسحاق الرّبعي(ت294ﻫ)وابن الحباب أبو عليّ الحسين البغدادي(ت301ﻫ). والرّاوي الثاني هو قنبل واسمه محمّد بن عبد الرحمن(ت291ﻫ)، وله طريقان عن ابن مجاهد أبي بكر أحمد بن موسى(ت324ﻫ) وابن شنبوذ محمّد بن أحمد (ت328ﻫ) .
- أبو عمرو بن العلاء البصري(ت154ﻫ)، ومن أشهر تلامذته: الدّوري أبو عمر حفص بن عمر(ت246ﻫ) الذي عُرف عنه طريق أبو الزّعراء عبد الرحمن بن عبدوس(ت بعد280ﻫ) وأحمد بن فرح المفسّر(ت301ﻫ). والرّاوي الثاني هو السّوسي أبو شعيب صالح بن زياد(ت261ﻫ)، واشتهرت عنه طريقتا: الطبري محمد بن جرير(ت310ﻫ) وأبو عيسى موسى بن جمهور البغدادي(ت300ﻫ).
- عبد الله بن عامر اليحصبي الشّامي(ت118ﻫ)، ومن أشهر من روى عنه القراءة هشام بن عمّار اليحصبي(ت245ﻫ)، وأخذت عنه طريقة الحلواني أحمد بن يزيد(ت250ﻫ) والداجوني أبو بكر محمد بن أحمد(ت324ﻫ). والرّاوي الثاني له هو ابن ذكوان واسمه عبد الله بن بشر(ت242ﻫ)، وعُرفت له طريقة الأخفش الكبير هارون بن موسى(ت292ﻫ) والصّوري محمّد بن موسى(ت307ﻫ).
- عاصم بن أبي النّجود الكوفي(ت127ﻫ)، وراوياه المشهوران هما: شعبة بن عيّاش أبو بكر النّهشلي(ت193ﻫ)، وله طريقان عن يحيى بن آدم (ت203ﻫ) والعليمي يحيى بن محمّد الكوفي(ت243ﻫ). أمّا ثاني الرّواة فهو حفص بن سليمان الأسدي(ت180ﻫ) وله طريقتان عن عبيد بن الصبّاح بن أبي شريح(ت219ﻫ) وعمرو بن الصبّاح(ت221ﻫ).
- حمزة بن حبيب الزّيّات الكوفي(ت156ﻫ)، وراوياه المشهوران هما خلف بن هشام(ت229ﻫ) وله طريقان عن ابن مقسم أبو بكر محمّد بن الحسن(ت354ﻫ) والمطوعي أبو العبّاس الحسن بن سعيد(ت371ﻫ)، والراوي الثّاني هو خلاّد بن خالد الشّيباني(ت220ﻫ)، ومن حملة طريقته تلميذه محمّد بن شاذان الجوهري(ت286ﻫ) وسليمان بن عبد الرحمن الطّلحي(ت252ﻫ).
- عليّ بن حمزة الكسائي الكوفي(ت189ﻫ)، وراوياه المختاران هما أبو عمر حفص الدّوري(ت246ﻫ)، وطريقاه في قراءة الكسائي عن النصيبي أبو الفضل جعفر بن محمّد(ت307ﻫ) والضّرير أبو عثمان سعيد بن عبد الرّحيم(ت بعد 310ﻫ). والراوي الثّاني هو أبو الحارث الليث بن خالد المروزي(ت240ﻫ)، وله طريقان عن الكسائي الصغير واسمه محمّد بن يحيى البغدادي(ت280ﻫ) وسلمة بن عاصم البغدادي(ت270ﻫ).
خلاصة:
يجب ألاّ يُنظر إلى تعدّد الرّواة واختلاف قراءاتهم على أنّه اختلاف في القرآن الكريم الذي قال الله عزّ وجلّ فيه: “لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ”(فصلت:41)، إذ هو اختلاف تنوّع وثراء ورحمة وتفسير لنزول هذا الكتاب المحكم على سبعة أحرف، وليس اختلاف تضادّ أو تناقض أو تعارض.