التدين المغربي ومتغيرات الواقع المعاصر (م.ز)

يفرض التدين المغربي، باعتباره تفاعلا بين الوجودي والتاريخي في شرطهما المغربي، خوضا فاحصا في بعض متغيرات الواقع المعاصر. فيستطيع الباحث، من خلال ذلك، معرفة ما عليه ينبغي أن يكون التدين، والخطاب الديني، حتى تتحقق المصلحة، أي من أجل الاستجابة السديدة لتلك المتغيرات.

ويعرف المجتمع المغربي عدة تغيرات، لا تحولات؛ أي سيرورة، لا صيرورة. وهي في مجملها تغيرات معاصرة، تغيرات ينتجها البناء الاجتماعي العالمي الحالي، فيتأثر بها المغاربة كما تتأثر بها بقية شعوب العالم، على درجات متفاوتة. ما هي هذه التغيرات المعاصرة، والخطيرة، التي ينتجها بناء اجتماعي عالمي يتحلل ويلفظ آخر أنفاسه؟ ما هي هذه التغيرات المعاصرة التي يجب أن يحذرها المغاربة، والتي يجب أن يُلجأ إلى التدين المغربي لدرئها؟

موجة الإلحاد المعاصر: والسبيل إلى مواجهة هذا التحدي هو البحث في التراث العقدي المغربي لعله يسعف في الرد على الشبه المعاصرة، وكذا تجديد هذا التراث -إحياء وتطويرا-حتى يكون قادرا على ذلك.

النزعة الاستهلاكية المتوحشة: وفي المتن السلوكي المغربي ما يدفع بلاء هذه النزعة، فقط وجب جعل هذا المتن متحركا بيننا، بتسويقه إعلاميا وتربويا. وذلك، من قبيل إحياء زهد الإمام الجنيد، والتجربة التكافلية لدى الإمام أبي العباس السبتي، وغيرهما. وكله يحتاج إلى إدماج في المقررات الدراسية، أو إحياء من خلال الأفلام السينمائية.

تفكيك السلطة السياسية: وللمغاربة في البيعة وإمارة المؤمنين مأمن من ذلك، اقتداء بالصين التي عادت بوعي باحثة في تاريخها الإمبراطوري، وروسيا التي أحيت قيصريتها في قالب جديد، وتركيا التي ترى في الخلافة العثمانية عمقها التاريخي… الخ. وما كان لنا أن نقتدي بأحد، في الحقيقة؛ إلا أن كل هذه التجارب تؤكد أن تحدي “تفكيك السلطة السياسية” قائم اليوم، أكثر من أي وقت مضى. فكان لزاما على كل الدول، خاصة ذات التجارب المختلفة عن التجربة الغربية، أن تحصن حكمها وسيادتها ووحدة سلطتها السياسية بالرجوع إلى التاريخ، إلى تاريخ الحكم بالضبط.

تحديات الوحدة الترابية: والسبيل إلى مواجهة هذا التحدي هو تعبئة كل المقدرات التراثية المغربية، فقها وعقيدة وسلوكا، للدفاع عن الوحدة الترابية. فتكون المساجد والقنوات الدينية الوطنية والجرائد الرسمية وسائلَ لإظهار البعد الديني في قضايا الوحدة الترابية.

حروب الذاكرة والتاريخ: الرجوع إلى الماضي، إلى التراث، صيانة للذاكرة وحفظا للتاريخ، أمر لا بد منه، وهو “واجب الوقت” كما يقول الفقهاء. فـ”الاستشراق الجديد” يريد شعوبا معزولة في المكان والزمن، في الجغرافيا والتاريخ، في اللغة والدين، في العاطفة والعقل… إلى غير ذلك. علاقتنا بالتراث المغربي، وعلاقة هذا بالتراث المشرقي، رصيد لا يجوز التفريط فيه؛ وإلا أصبحنا جزءا بلا كل، وطنا بلا وطنيين، دينا بلا أصل، لغة بلا كتاب، حكمة بلا جذور، مجتمعا بلا جينات… الخ.

تصدير الأزمة الأخلاقية الغربية: الدين، قبل القانون، هو أساس الصمود في وجه هذا التصدير. ونقصد به الدين الذي يقف في وجه الإفساد الأخلاقي الغربي، من غير سقوط في استراتيجياته السياسية، فهذه ليست إلا سقوطا في فساده الأخلاقي في مؤداها الأخير. وبالتالي، فالتدين المغربي مطالب بإنتاج خطاب وسلوك أخلاقيين يحذران الفساد الأخلاقي من جهة، وعولمة السياسة من جهة أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *