لقد مر على دور القرآن أكثر من ستين يوما وهي موصدة الأبواب ممنوعة من أن ترتج جنباتها بأصوات الأطفال كأزيز النحل يرددون آيات القرآن الكريم، فمنذ أقدمت وزارة الداخلية تنفيذا لما سودت به المنابر العلمانية صفحاتها من حقد “حداثي” على حملة كتاب الله وطلبته، ودور القرآن يكتنفها صمت القبور، فأين تلك الحلقات الطيبة بذكر الله؟
وأين أولئك الأطفال الصغار الذين بعضهم ينتظر حفل ختم القرآن بعد أشهر عديدة من الحفظ والمراجعة؟
وأين أولئك النسوة اللائي فرحن بنصرهن على الأمية بمحوها في هذه الدور، وعلى رفع الجهل عن أنفسهن بحضور الدروس في الجمعيات المظلوم أهلها؟
لماذا تغلق دور القرآن وقد كان لها دور ريادي في إصلاح المجتمع وربطه بتاريخه وقيمه؟
لقد كانت رياضا لحفظ وتدارس كلام الله سبحانه وتعالى، ومدارس تثري المجتمع المغربي وتحرك فيه الرغبة في العلم في زمن العزوف عن القراءة ونبذ الكتاب، ومؤسسات إصلاحية تسهم في تربية أبناء المغاربة على احترام ثوابت بلادهم والتمسك بقيم أصالتهم المستمدة من كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
إن قرار إغلاق دور القرآن يخدم مصالح من يهمهم أن يذعن الشباب لباطل الشهوات والانقياد لمن يريد لبس الحق بالباطل، الذين فرحوا بخراب دور القرآن المزاحمة للحانات والكازينوهات والمهرجانات التي اتخذها العلمانيون مؤسسات يربون فيها أبناء المغاربة.
لقد تنكروا حتى للقيم التي صدعوا رؤوسنا بالدفاع عنها بمناسبة وغير مناسبة، فمتى كان التضييق على الحريات ديمقراطية، وحرمان المؤمنين من طمأنينة القرآن مشروع دولة؟
لقد اشتكت نساء دور القرآن من هذا الإغلاق فما تحركت جمعية نسائية!
وبكى ولدان وفتيات لحرمانهم من حريتهم وحقهم الذي كانوا يمارسونه في جمعيات حفظ القرآن، فما رأينا جمعيات “ما تقيش..” تهب لنصرتهم!
لقد وقَّع آلاف المغاربة مستنكرين قرار الإغلاق فكان توقيع وزير الداخلية على المذكرة التي أرسلها إلى السلطات المحلية أقوى من توقيعاتهم!
ونددت جمعيات وفعاليات وأحزاب نصرة لكتاب الله، فكانت صولة الباطل أقدر على البقاء، يوم كان من خلفها صوت بني علمان والأمريكان!
لقد تساءل آلاف المغاربة ممن روعهم قرار الإغلاق، عن مدى مصداقية تنظيم الحقل الديني وهم يرون سكوت من وقع على بيان المجلس العلمي عن إصدار عشرات رخص بيع الخمور مباشرة بعد إغلاق العشرات من دور القرآن.
أتغلق المصاحف وتفتح قنينات الخمر، ويفسح المجال لرقصة عهر، والاحتفال بنغمات الشيطان؟!
والله لمثل هذا يعتصر قلب العبد كمدا، وهو يرى بلده يفتح ذراعيه لكل فكر كاسد، وعربيد فاسد، وفي وجهه تصد الأبواب، ويحرم رحيق كتاب ربه التواب، ليجد الشارع له معانقا، يوم يكون الهوى له سائقا، فقد يكون الموت أهون بالنسبة إليه من أن تفرض عليه العلمانية قسرا، وتكون الحداثة حلمه جبرا..
إن إصرار الحكومة المغربية على أن تعدم جمعيات تحفيظ القرآن، وصمة عار لا يغسلها إلا التراجع عن قرارات الإغلاق، فكيف يعقل أن تقدم على حل مؤسسة مثل جمعية الدعوة إلى الله بمدينة مكناس والتي أسسها المصلح والعلامة الكبير الشيخ محمد تقي الدين الهلالي منذ عقود من الزمن، ولم تراع حتى فضل الرجل الذي كان له دور كبير في محاربة احتلال القلوب وهو الشرك بالله، ومحاربة المحتل الغاصب داخل المغرب وخارجه، فقد كان غصة في حلوق المغتصبين، لدرجة أنه كان مطلوبا لدى الفرنسيين، ممنوعا من دخول المحميات الفرنسية، وشكل متاعب جمة للاسبانيين، وكان في ألمانيا يهاجم المحتل الغاصب على أثير أمواج الإذاعة الألمانية في الفترة المبثوثة بالعربية، وهو من قادة الحركة الوطنية فقد كان يجله عبد الخالق الطريس أيما إجلال…، فهل بهذا التصرف الأرعن من السلطات يكرم الرجل بعدما توفاه ربه..
فبدل أن تقدم الدولة الدعم لمثل هذه الجمعيات وتكافئ القائمين عليها تقوم على العكس من ذلك، بتشريد الأطفال والنساء الذين كانوا يستفيدون طيلة عقود من الزمن من أنشطتها، وتحيل على البطالة مئات الأطر التي كانت تسهر على التنظيم والتدريس بها.
حقا، إنها لأسوأ معاملة يمكن أن يعامل بها أهل القرآن وطلبته في بلد إمارة المؤمنين، وفي دولة كان القرآن سبب وجودها وسر عزها عبر قرون قبل أن تتردى في هاوية العلمانية السحيقة.