دردشات المواطنين:
أمر معتاد: عند كل دخول مدرسي تحج الألوف من المواطنين إلى مقرات المقاطعات لإعداد الوثائق المطلوبة للتسجيل بمختلف الأسلاك الدراسية؛ وفي جو من الاستياء يبدأ المواطنون وهم يزدحمون أمام شبابيك المقاطعة ومكاتبها؛ يتسخطون وهم متدمرون من التعليم العديم الفائدة كما يعبرون؛ ويشتكي كل واحد منهم ويحكي معاناته مع المقاطعة.
فمنهم من ترك عمله ليومين أو ثلاثة؛ ليلهث خلف جمع الأوراق من أجل دراسة أبنائه؛ وهو في كامل اليأس من ثمرة هذا التعليم؛ وهو يسمع ما تلغط به الألسنة من فشل التعليم؛ ويرى أثره على جنبات الطرقات من انتشار المخدرات بمحيطات المؤسسات؛ والإباحية المنتشرة بين الشباب حتى إنه ليخاف الواحد أن تعود ابنته حاملا من المدرسة.
فقد غدت بعض مرافق المؤسسات كفضاءاتها الرياضية؛ وبين حيطان قاعاتها؛ وفي حدائقها وتحت أشجارها مآو لربط علاقات غير شرعية وقضاء أوطار جنسية وعاطفية كما صرح بعض النساء وهن ينتظرن أدوارهن.
واقترح بعض الشباب أن تتحمل المؤسسات التعليمية مسؤولية تسجيل الطلبة والتلاميذ من ألفها إلى يائها؛ بأن تفتح فيها مكاتب ملحقة بالمقاطعات؛ إذا كانت حقا تريد تشجيع التمدرس والحد من الهدر؛ ويريحوهم وآباءهم من عناء هذه الإجراءات التي تجعل الدراسة بالنسبة لهم شبحا مخيفا بتكاليفه وأتعابه.
وبينما تطول ساعات الانتظار، ويكثر اللغط والتضجر في رحاب المقاطعة: انتشلت أذناي حديثا نسائيا عن التعليم الخصوصي خلاصته؛ أن التعليم الخاص أصبح حمى تتوسع لتهدد حتى الأفراد ذوي الدخل المتوسط؛ تحت ضغوط اجتماعية قاهرة، ليسايروا مغرب اليوم، ونحن نعلم أن مثل هذه الفئات تجهد أنفسها؛ وبالكاد تؤدي واجبات التعليم الخاص؛ الذي غدا موضة اليوم في بلدنا؛ حينما فقد التعليم العام شرعيته وضمانته، فمن لم يدرس ابنه في الخاص فسيبقى كسولا جاهلا؛ أو بالأحرى لن يحصل على عمل؛ على حد الحوار النسائي.
ومن جهة أخرى فقد التفت الخطاب الملكي في سابقة تاريخية إلى التعليم؛ ليخرج إلينا بتصريح فريد من نوعه عن فشل التعليم ووصوله إلى الحضيض في ظل الحكومة الإسلامية؛ وقرر الخطاب أن يولى التعليم اهتماما خاصا؛ باعتباره أساس التنمية وقطارها؛ نحو النهوض بالتعليم العام وتأهيل التعليم الخاص؛ ويرى كثير من السياسيين أنه آن الأوان لكسر الحواجز والفوارق بين التعليم العام والخاص مادام التلاميذ كلهم أبناء مغاربة، وينبغي أن يتمتعوا كلهم بفرص متكافئة. وقد استغلت المدارس الخصوصية هذه الضربة الموجعة للتعليم العمومي لرفع أسعارها وتكاليفها على المواطنين.
وإذا كان الخطاب قد أكد أن يكون التعليم في نأي عن المنازعات السياسية؛ فإن العكس هو الواقع ومنذ سنين مضت؛ فما تزال زمام أمور التعليم وقراراته تحت ضغوط تيارات متصارعة داخليا وحتى خارجيا وفق ظروف اقتصادية وسياسية عامة، فإن المتتبعين يعلمون أن المغرب داخل منظومة عالمية يخضع لها لاحتياجاته المستمرة؛ فيأتمر لأمرها وينتهي عند قراراتها، ومن هنا تأتي المقاسات التي يفصلها المقررون التربويون من منصاتهم المرتفعة؛ مفاوتة للمقاس الحقيقي الذي يعيش عليه الشعب، فثمة ظروف واقعية: اجتماعية واقتصادية تحتاج إلى مقاس خاص بعد مدارسة الحالة ومعاينتها.
دردشات المدرسين:
أما بشأن الأساتذة والمؤطرين التربويين الميدانيين فلا تكاد تكون اجتماعاتهم السنوية؛ وندواتهم حتى مع أطر تربوية سامية إلا شكاوى عن انعدام ظروف عمل مواتية؛ وضعف التجهيزات والوسائل؛ والمعاناة اليومية مع القسم؛ وحقوق المدرس التي لا ينفك يطالب باستردادها؛ أما التوصيات التي ترفع من خلال الاجتماعات فلا تعدو أن تكون حبرا على ورق، وفي حقيقة الأمر فلا تكاد تبرح مكانها، وإن برحت فقد خصصت لها قبور بمقرات الوزارة.
وفي كثير من الندوات فإن المُكونين يعترفون على أن الواقع الذي يأتي السادة الأساتذة لوصفه والتشكي منه مخالف تماما للتنظيرات التي يأتون لإملائها وقراءتها وتقريرها على السامعين، وكثيرا ما تكون الحيدة مخرجا؛ حينما يوجه أستاذ أو مفتش استفسارا في شأن الكيفية المثلى التي ستطبق بها تعليم المدينة الفاضلة؛ على واقع يعاني الهشاشة في كل ميادينه؛ فإذا كنا نتحدث مثلا عن الهدر المدرسي فلا بد من استحضار العناء الذي يواجهه كل تلميذ أو وليه فقط عند تسجيله؛ أو تكاليف الدراسة كما تحدث به المنتظرون في أبواب المقاطعة.
ويتابع الأساتذة تغريداتهم على أثير الفايسبوك فيناقش بعضهم بلغة ساخرة تعيين مدرسين بمؤسسات قائمة في الأوراق منعدمة في الواقع؛ أو غير تامة البناء مما جعل كثيرا من الأساتذة والأطر التربوية تحت رحمة حلول ترقيعية من النيابات والأكاديميات. وهو أمر يؤكد أن ثمة خللا يحتاج إلى ضبط المسؤولين عنه ومحاسبتهم بكامل الشفافية والصرامة.
ثم إلى مشكل الاكتظاظ الذي لم تستطع الدولة القضاء عليه لسنين مديدة، فعن أي جودة يتحدثون حينما يكون المدرس مجرد حارس لـ46 تلميذا أو أكثر؛ فضلا عن إسكاتهم فضلا عن محاورتهم وتطبيق إحدى البيداغوجيات التي كلفت الدولة ملايين الدراهم؛ لم يحظ منها الأستاذ إلا بمزيد من المهام والتكاليف؛ والعجيب من أحد المكونين كيف يرشد المدرسين إلى متابعتهم التلاميذ تلميذا تلميذا نفسيا واجتماعيا ووو…؛ وأن يعطي كل فرد حصته من الكلام والمناقشة؛ فأين الواقع من التنظير، ناهيك عن الأقسام المشتركة، وعن خلل التخطيط الذي يجعل كثيرا من المناطق في عوز إلى المدرسين في حين يبقى المدرسون في مناطق أخرى فائضين زائدين عن الحاجة.
لكن من جهة أخرى يرى قسم آخر من الأطر التربوية والمدرسين أن لوزارة الوفا فضلا على تعليم المغرب؛ وليس من العدل التغاضي عن بعض الإصلاحات التي حققها إلى حد الآن؛ فقد كان قرار منع الأساتذة العموميين من مزاولة العمل داخل المؤسسات الخاصة قرارا جريئا؛ سيقضي إن تم تحقيقه على نسبة من العطالة؛ كما أنه سيحسن المردود الدراسي بالنسبة للمدرسة العمومية؛ ثم تقليص نسبة الهدر المدرسي بالنسبة للسنوات السابقة، وقد كانت حكومة الوفا حازمة في توريط أصحاب استغلال سكن المؤسسات وبناياتها وممتلكات الدولة؛ والإعلان عن الأشباح داخل دهاليز وزارته، كما قامت بما يجب في ضبط الامتحانات ومحاربة ظاهرة الغش؛ إلا أن الأمر لايزال يحتاج إلى تجنيد ومتابعة، ثم سد باب التوظيف المباشر الذي كان وبالا على أبناء المغاربة؛ ولا يدرك ذلك إلا الممارسون الذين يعرفون بحق مستوى مدرس غير مكون وما سيجني على التلميذ من سوء تغذية معرفية؛ ثم حماية الزمن المدرسي والتشديد على المتهاونين في عملهم بالغياب والتأخرات غير المعللة.
ويرى هؤلاء وإلى جانب محبوبهم أن المخطط الاستعجالي ما هو إلا صفقة ماضية بين أطراف معينة، القصد منها قسم الخبزة قبل أن يكون نفع التلميذ وإنقاذ التعليم المغربي؛ كان ذلك وغيره بعض الامتيازات التي يرددها المعجبون بوزارة الوفا.
ومن جهة أخرى؛ فإن الكثيرين من أسرة التعليم مستاؤون إزاء الخدمات الهزيلة التي تقدمها النقابات التعليمية في هذه السنوات الأخيرة؛ خاصة وأن ملفات الأسرة غدت بطاقات مزايدات على طاولات الاجتماعات؛ نحو تحقيق مصالح خاصة بجهات من الجهات لا غير، أو الوصول إلى أهداف سياسية مبيتة.
مما فجر ولادة الفئات والتنسيقيات التي آثرت أن تحمل راية الدفاع عن مطالبها بنفسها غير متكلة على جهة نقابية؛ فالنقابات من وجهة هؤلاء ما هي إلا أخطبوط تابع للدولة يبدي تحامله عليها وانتقاده للحكومة خارج الاجتماعات، لكنه سرعان ما يتحول التكشير ضحكات وقهقهات تملأ فضاء الاجتماع. وقد علّم ملف المجازين بعضَ النقابات درسا لن تنساه؛ وكان تحقيق هدفهم من الترقية بالشهادة من خلال تنسيقيتهم بابا لبدء تنسيقيات جديدة.
ففي الرفوف ملفات عديدة تنتظر التسوية؛ منها إعطاء الحق للأساتذة بمتابعة دراستهم دون تضييق؛ ويقترح هؤلاء أن تعطى الفرصة للأساتذة الذين لهم رغبة ومستوى يؤهلهم لإتمام دراستهم؛ مع تأمين الزمن المدرسي وحماية وقت التلاميذ. ثم ملف المناطق النائية الذي غطاه غبار الوزارة من طول مكثه، ووصولا إلى مذكرة الحركة الانتقالية التي لا تزال فيها بنود غير مقنعة للأساتذة ومنها العشر نقط المخصصة للإناث؛ في ظل دولة المساواة.