جديد الكتب
“مركزة وتدوير المغرب النافع”، هو كتاب جديد، من تأليف د. إدريس كرم، إصدارات مركز بلعربي العلوي للدراسات التاريخية، الطبعة الأولى، 2020. يُعَدّ هذا الكتاب إضافة نوعية للمكتبة المغربية، على اعتبار أنه يثير الانتباه إلى زاوية لا يهتم بها المغاربة كثيرا، بل والباحثون منهم أيضا. يعتقدون أن الاستعمار بدأ مع “توقيع معاهدة الحماية” (وما هي إلا “استعمار” تحت قناع أسموه “الحماية”)، والحقيقة أنه “تشكيل” تم التخطيط له مذ أن استعمرت فرنسا الجزائر. وقبل “توقيع معاهدة الحماية” (الاستعمار)، مرّ الاختراق الفرنسي للمغرب بمرحلتين (في تأريخ د. كرم للمرحلة): “مرحلة التطويق والتدمير” من 1906 إلى 1910 م (الجزء الأول من الموسوعة)، و”مرحلة مركزة وتدوير المغرب النافع”.
إن هذه المرحلة الثانية هي موضوع الكتاب الذي بين أيدينا، حيث رصد فيها د. كرم “معارضة احتلال المغرب في البرلمان الفرنسي، والمسألة المغربية في البرلمان الإسباني، ودور الكنيسة في غزو المغرب، وخطة “منجان” لتنظيم الجيش المغربي، ومحنة القوات الفرنسية الزاحفة نحو فاس، والبرنامج الفرنسي الموصى بتنفيذه بعد احتلال فاس… إلى غير ذلك من الأحداث التاريخية الأخرى”. (من تقديم ذ. حماد القباج على الكتاب).
مكتبتك في تاريخ المغرب
في جوّ محموم من الخلط بين “اليهودية” و”الصهيونية”، وحيث الحديث عن “اليهود المغاربة” دون رجوع للتاريخ المغربي، وحيث الرهان في هذا الخطاب المسموم على شعب مغربي محروم من “وعيه التاريخي” منذ زمن بعيد؛ في هذه الشروط، انبرت مجموعات من الإعلاميين منتفخي البطون بـ”نار” الصهاينة، ومن المثقفين الممتلئة جيوبهم بأموال أتباع الصهاينة وأذيالهم، لتضليل المغاربة ب”قدم علاقتهم بالصهيونية” تحت قناع “العلاقة بين المسلمين المغاربة واليهود المغاربة”.
نحن في حاجة إلى الوعي بهذا التاريخ من جديد، نقصد تاريخ “العلاقة بين المغاربة، يهودا ومسلمين”، وهذا ما نزعم أن كتاب “اليهود في تاريخ المغرب: نصوص وقضايا”، لصاحبه د. إدريس الشنوفي، يفي به.
في هذا الكتاب يورد د. الشنوفي العديد من الروايات التي توضح حقيقة العلاقة بين اليهود والمسلمين في المغرب، سلطة وشعبا. وقبل ذلك وبعده، يذكر صاحب الكتاب ما تميز به اليهود المغاربة جغرافيا واجتماعيا واقتصاديا. إنه، باختصار، يقول الحقيقة فيما يخص علاقة لا تخلو من اضطرابات وخيانات يهودية، يريد كثيرون أن يبيضوا وجهها اليوم.
الكتاب من فصلين، بمقدمة وملاحق. الفصل الأول بعنوان: اليهود في تاريخ المغرب: التوزيع المجالي والحياة الاجتماعية، والفصل الثاني بعنوان: اليهود والسلطة والاقتصاد في تاريخ المغرب. وقد بذل فيه صاحبه مجهودا معتبرا، إذ استخرج “تاريخ اليهود المغاربة” من كتب “التاريخ المغربي العام” ومن كتب “تاريخ المدن”، بل ومن كتب “الفتاوى” أيضا.
وليس هذا هو الكتاب الوحيد الذي يتناول “تاريخ اليهود في المغرب”، إلا أنه يتميز عن غيره من الكتب الأخرى باختصاره وبعناوينه الدقيقة الواضحة. فما على القارئ المغربي إلا أن يبحث فيه ويطلع على مضامينه، حتى لا ينطلي عليه تدليس “الطابور الإعلامي والثقافي” المشتغل لصالح الصهيونية.
فنون: (النقد الإيديولوجي السينمائي)
أفلام هشام العسري: اللامعنى في قالب سينمائي (2)
صنف آخر من العدمية هو ذلك الصنف الذي يبثه المخرج هشام العسري بشكل واضح في فيلمه القصير “خليوني نمشي”، امرأة في الأربعينيات من عمرها، تلقن بعض الأطفال شعار “عاش الملك” بشكل هستيري، فيأبى شباب من جيل “الراب” و”السيولة” و”اللامعنى” (توحي بذلك ملابسهم وهيئاتهم وطريقة حركتهم وتدخلهم) إلا أن يقاطعوها بانفعال. ومنذ تلك اللحظة، تنطلق موسيقى صاخبة وآهات عدمية، بعناوين من نفس الطبيعة: “مللت هذه البلاد”، “لا أعرف من أين جئت؟ وإلى أين أنا ذاهب؟”، “أريد أن أرحل، وأترك كل شيء”…
أطفال بملامح يائسة متشائمة، وأحيانا في جو من الدوار وكأن العالم غير مفهوم، وآخرون بأعين باكية وملامح مضطربة ومندهشة… ملامحة مثيرة للجنس الفاسد، دجاجة مقطوعة الرجل، طائرة محلقة فوق الأرض توحي بالرحيل عن واقع ممل وتخليف ثقافة وتقاليد إلى وجهة مجهولة (=العبث)، ماء (؟) وقنينة وكأس… من المطر على زجاج السيارة، إلى البحر، إلى مدينة صاخبة بالسيارات وسيرها السريع… وتصريح، في آخر الفيلم، يمتعض من المتسولين الصغار ومن شغبهم وتنغيصهم لراحة الناس ونفوسهم المتعبة، كما يمتعض من أمهاتهم اللائي دفعنهم إلى ذلك، وكأن هذا الواقع من صنع المتسولات وأبنائهن وبناتهن… إلخ.
كلها مشاهد يريد أن يصنع منها هشام العسري لغزا لا بد أن يرتقي المشاهد ليفهمه، وما هي إلا فوضى لا تجتمع إلا في رأس من كانت إشكاليته زائفة (=رومانتيكية “ما بعد الحداثة” في أبشع صورها)، فوضى ينتجها واقع متأزم. وعوض أن نغير هذا الواقع ونواجه فوضاه وفوضى قيمه وأفكاره ونظمه، يسعى المخرج العسري إلى جعلها مرجعية في التفكير، بعد أن جعلها مرجعية في الكتابة والإخراج والتشخيص.
نافذة على مشروع فكري
عبد الوهاب المسيري (3)
لقد تمّ ابتذال مفهوم العَلمانية حتى أخذ يتكلم فيه كل أحد، فلا يفرق كثيرون لا بين عَلمانية في “المأمول”، ولا بين عَلمانية في “التاريخ”. هناك من يعبر بالعَلمانية كشعار للتقاطب بين “إسلاميين” و”عَلمانيين”، وهناك من يجعل منها عَلمانيات: دهرانية (الفصل بين الدين والأخلاق)، دنيانية (الفصل بين الدين والحياة ككلّ)، عِلمانية (الفصل بين الدين والعلم)… وما إليه (كما هو مشروع طه عبد الرحمان).
أما عبد الوهاب المسيري فقد نحا منحى آخر، إذ ميز بين عَلمانيتين: الأولى شاملة والثانية جزئية. “العَلمانية الشاملة” تعني “فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن الحياة في جانبيها العام والخاص، ونزع القداسة عن الإنسان والطبيعة بحيث يتحول العالم بأسره إلى مادة استعمالية يوظفها الأقوى لحسابه”، وتعني “الجزئية” “فصل الدين عن الدولة مع التزام الصمت بخصوص القضايا النهائية”. (راجع “العَلمانية الجزئية والعَلمانية الشاملة”، للدكتور عبد الوهاب المسيري، ظهر غلاف كل من مجلدي الكتاب).
لا يستدعي المسيري هذا التمييز لمجرد استدعائه فحسب، بل يستدعيه وعينه على التقاء وحوار وتوافق يحدث بين “الإسلاميين المعتدلين” و”العلمانيين الجزئيين”، تحت سقف الأوطان والأمة الواحدة. فلا مجال للتوافق مع “العلمانية الشاملة”، ما دامت تريد تفكيك النسيج المجتمعي العربي والإسلامي، بالفصل بين “المتجاوِز” و”الكامِن” كلية. في حين يجوز التوافق مع علمانية أخرى جزئية، تنزع الدين من يد السلطة حتى لا تستغله، وتحفظه للمجتمع وفيه، لينتج سلطته، بدل أن تنتجه السلطة على مقاسها (قول عبد الله العروي: “السلطان يخدم الشريعة ظاهرا لأنها تخدمه باطنا”). إنه انتقال من “عَلمانية شاملة” تستهدف “المتجاوِز” وتنزع إلى إلغائه، إلى أخرى جزئية تعيد الدين إلى أصله “المجتمع”. (عبد الوهاب المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، المجلد الأول، دار الشروق، من ص 121 إلى ص 126)
لقد كانت بداية عبد الوهاب المسيري، في كتابه “العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة”، بداية نقدية، انتقد فيها مشروعين: “علماني شامل متطرف”، و”إسلام يسوغ للسلطة استغلال الدين لصالحه لا لصالح “المتجاوِز” نفسه” (وهذه علمانية أخرى، مهما لبست من أقنعة دينية). إنها إجابة مبدئية غاية في الأهمية، إلا أنها في حاجة إلى “وعي تاريخي” هو وحده الكفيل بتحديد طبيعة العلاقة بين السلطة والدين، في شرط تاريخي معين بدقة. (يتبع)